مفهوم علم الكونيات وفهم الكون ومحتوياته

علم الكونيات

علم الكونيات هو تخصص علمي يهتم بدراسة الخصائص العامة للكون باستخدام منهجيات علمية تهدف إلى فهم أصول الكون وتطوره ومستقبله. يتماثل هذا المجال مع مناهج العلوم الأخرى من حيث أنه يشمل وضع نظريات أو فرضيات حول الكون. هذه النظريات تقدم تنبؤات معينة يمكن اختبارها من خلال التجارب العلمية. بناءً على نتائج تلك التجارب، يمكن إما قبول تلك النظريات أو تعديلها أو توسيعها. يُشار إلى أن النظرية المقبولة على نطاق واسع حول أصل الكون وتطوره هي نظرية الانفجار العظيم.

تاريخ علم الكونيات

تطور فهم الإنسان للكون طوال التاريخ، حيث كانت في بدايات علم الفلك تُعتبر الأرض مركز الكون الذي تدور حوله الكواكب والنجوم. في القرن السادس عشر، اقترح العالم البولندي نيكولاس كوبرنيكوس نظرية جديدة تفيد بأن الأرض والكواكب الأخرى تدور حول الشمس، مما أحدث تحولًا جذريًا في التفكير حول الكون. في نهاية القرن السابع عشر، قام إسحاق نيوتن بحساب القوى المتفاعلة بين الكواكب، والتي تُعرف بقوى الجاذبية.

في القرن العشرين، قدم ألبرت أينشتاين مفهوم توحيد الزمان والمكان في نظريته العامة للنسبية. واستمر النقاش بين العلماء حول ما إذا كانت مجرة درب التبانة تضم الكون بأسره أم أنها مجرد مجموعة من المجموعات النجمية. ولكن إدوين هابل تمكن من قياس المسافة إلى جسم غامض في السماء، وما أثبته أنه يقع خارج مجرة درب التبانة، مما برهن على أن مجرتنا هي جزء صغير من كون هائل. وقد استخدم هابل أيضًا النسبية العامة لقياس المجرات الأخرى، مما قاده إلى استنتاج أن الكون في حالة توسع وليس ساكنًا.

في السنوات الأخيرة، توصل عالم الكونيات ستيفن هوكينج إلى أن الكون ليس لانهائيًا بل له حجم محدد، ولكنه يفتقر إلى حدود واضحة، مما يجعله مشابهًا للأرض. فعلى الرغم من أن الأرض محدودة، إلا أن الشخص الذي يسافر حولها لن يتمكن من تحديد نهايتها، بل سيواصل دورانه حول الكرة الأرضية. كما ذكر هوكينج أن الكون لن يستمر إلى الأبد، بل من المحتمل أن ينتهي في نهاية المطاف.

فلسفة علم الكونيات

علم الكونيات، الذي يُعرف بدراسة الكون الفيزيائي، قد حقق تقدمًا كبيرًا خلال المئة عام الماضية نتيجة للتطورات النظرية. بدأ هذا العلم كفرع من الفيزياء النظرية من خلال نموذج أينشتاين الثابت للكون في عام 1917، ومن ثم تحول إلى أحد مجالات علوم الفيزياء والفلك بعد ذلك، نتيجة لتطبيقات الفيزياء الذرية والنظرية النووية على الكون، بالإضافة إلى البيانات المتدفقة من التلسكوبات التي تعمل عبر الطيف الكهرومغناطيسي.

ومع ذلك، هناك قضيتان أساسيتان تجعل فلسفة علم الكونيات تختلف عن فلسفة أي علم آخر: الأولى هي تفرد الكون (أي أنه لا يوجد سوى كون واحد)، مما يعني عدم وجود شيء آخر يقارن به. والثانية هي أن علم الكونيات يتعامل مع الحالة المادية التي تمثل سياق الوجود البشري الكبير في الكون، مما يسهم في فهم طبيعة حياتنا.

علم الكونيات ونظرية الانفجار العظيم

يعتبر نموذج الانفجار العظيم نظرية مقبولة على نطاق واسع تبرز تطور وأصل الكون. تفترض هذه النظرية أنه منذ حوالي 12 إلى 14 مليار سنة، كان الجزء الذي يمكن رؤيته من الكون حاليًا بقطر عدة ملليمترات فقط. ومنذ ذلك الحين، توسع الكون من تلك الحالة الكثيفة الساخنة إلى الكون الشاسع والأكثر برودة الذي نعيش فيه اليوم.

وتفترض نظرية الانفجار العظيم إمكانية رؤية بقايا تلك المادة الكثيفة الساخنة، مثل إشعاع الخلفية الكونية المتبقي، والذي لا يزال موجودًا في الكون، حيث يمكن رصده بواسطة كاشفات الميكروويف كتوهج موحد في السماء بأسرها.

أسس نموذج نظرية الانفجار العظيم

تعتمد أسس نموذج الانفجار العظيم على ما يلي:

النسبية العامة

تعود الفكرة الرئيسية الأولى إلى عام 1916 عندما وضع أينشتاين نظريته العامة للنسبية كنموذج جديد للجاذبية. عامةً، تُعد نظرية أينشتاين تعميمًا للنظرية الأصلية لإسحاق نيوتن حول الجاذبية. كانت النظرية العامة للنسبية صالحة للأجسام المتحركة والسكون، بينما كانت نظرية نيوتن متعلقة فقط بالأجسام الساكنة أو المتحركة ببطء.

وعند مقارنة ذلك بسرعة الضوء – إحدى المفاهيم الأساسية في النسبية العامة – نجد أن الجاذبية لم تعد تعرف بأنها مجال بحد ذاته، بل ينظر إليها كشكل من أشكال انحناء الزمان والمكان. كما صاغها الفيزيائي جون ويلر بشكل جيد حين قال إن المادة تخبر الفضاء بكيفية انحنائه، بينما يخبر الفضاء المادة كيف تتحرك. وقد تمكنت النظرية الأصلية أيضًا من تفسير الخصائص المميزة في مدار كوكب عطارد وانحناء الضوء نتيجة تأثير الشمس، وهذان الأمران لم يكن بالإمكان تفسيرهما وفقًا لنظرية نيوتن.

المبدأ الكوني

بعد إدراج مفهوم النسبية العامة، حاول عدد من العلماء، بما في ذلك أينشتاين، تطبيق الجاذبية الجديدة على الكون بأسره. وكان يتطلب ذلك افتراضًا جديدًا حول كيفية توزيع المادة في الكون. كان أبسط افتراض هو أن الكون يبدو متجانسًا تقريبًا عندما يتم النظر إليه من مسافات كبيرة، مما يشير إلى أن المادة في الكون مُوزعة بالتساوي، وهو ما يُعرف بالمبدأ الكوني.

يتم اختبار المبدأ الكوني بشكل مستمر من خلال توزيع المجرات على نطاقات أكبر. كما تظهر الصور المصاحبة مدى انتظام توزيع المجرات المقاسة على مساحة 70 درجة من السماء. بالإضافة إلى إشعاع الخلفية الكونية الميكروويف وحرارة ما تبقى من الانفجار العظيم، والتي تم تماثلها بشكل كبير عبر سماء الكون، تعزز هذه الحقائق بشكل قوي الفكرة القائلة بأن الغاز الناتج عن ذلك الإشعاع قد وُزع بشكل منتظم للغاية.

عمر الكون

حتى وقت قريب، قدر علماء الفلك أن الانفجار العظيم وقع منذ 12 إلى 14 مليار سنة، مما يعني أن عمر النظام الشمسي يُقدَّر بحوالي 4.5 مليار سنة، في حين أن البشر موجودون كنوع لفترة زمنية تُعد قليلة نسبياً. ويمكن لعلماء الفلك تقدير عمر الكون من خلال طريقتين: الأولى هي البحث عن أقدم النجوم، والثانية هي قياس معدل تمدد الكون واستقراء النتائج للعودة إلى زمن الانفجار العظيم.

Scroll to Top