فن الخطابة في العصر الجاهلي
الخطابة تعد واحدة من أبرز الفنون النثرية في التاريخ، حيث كانت تُلقى في مجالس جماهيرية بهدف التأثير على قلوب الناس وإقناعهم بوجهات نظر مختلفة.
تميز العرب في العصر الجاهلي بفن الخطابة إلى درجة تنظيم مسابقات للتنافس في هذا المجال، لذا سنستعرض في هذا المقال جملة من التفاصيل حول فن الخطابة في ذلك العصر.
مفهوم فن الخطابة
-
فن الخطابة هو أحد الأنواع الأدبية النثرية، ويهدف إلى إقناع الجمهور من خلال أسلوب الخطيب في إلقاء كلمته.
- يختلف مستوى التأثير والإقناع بحسب أسلوب الخطيب، ويتطلب أن يكون النص متفردًا.
- يجب أن يتسم المؤدي بتأثير قوي على الجمهور وامتلاك مهارات إقناع فعالة.
كما وضع العرب مجموعة من الخصائص لضمان ظهور شخصية قوية يستطيع الناس الوثوق بها والاعتماد عليها، ومن هذه الخصائص:
- أن يتمتع الخطيب بصوت جهوري.
- يجب أن تكون ملامح الخطيب حسنة، وتكون ألفاظه دقيقة ومخارج حروفه سليمة.
- يتعين أن يمتلك نصاً قوياً يساعد على جذب انتباه الجمهور.
- ينبغي أن يبتعد عن التوتر والقلق، كما يجب أن يتفادى التأتأة أو السعال أثناء الإلقاء.
- لا يجب أن يقوم الخطيب بأية حركات تشتت انتباه الجمهور، مثل التلاعب بلحيته أو القيام بحركات غير لائقة.
الشروط التي يجب مراعاتها عند كتابة الخطبة
جاء العرب في العصر الجاهلي بمجموعة من الشروط لضمان كتابة نص قوي يجذب العقول ويساهم في إقناع الجمهور، ومن هذه الشروط:
- يجب أن تكون الكلمات المستخدمة في النص بسيطة ومفهومة للجميع.
- لا ينبغي استخدام كلمات معقدة أو صعبة الفهم.
- يجب أن تعكس الكلمات الواقع الذي يعيشه الناس لجعلهم أكثر اقتناعاً بالكلمات المنطوقة.
- يجب مراعاة المكان الذي تُلقى فيه الخطبة، حيث تختلف الألفاظ في المجالس العامة عنها في مجلس القادة.
- يستحسن تحديد وقت معين لإلقاء الخطبة لتفادي ملل الجمهور.
- يمكن تقليل الأجزاء غير المهمة والتركيز على الأجزاء التي تجذب انتباه الجمهور.
أنواع الخطابة
قام العرب بتقسيم فن الخطابة إلى عدة أنواع، منها:
- الخطابة السياسية.
- الخطابة الاحتفالية.
- الخطابة الدينية.
- الخطابة القضائية.
- الخطابة الجدلية.
- الخطابة العلمية.
- الخطابة العامة.
تختلف كل نوع من هذه الأنواع حسب السياق الذي تُلقى فيه، مما يتطلب نصوصاً مخصصة وأداء قوياً يعزز من فاعلية الموقف، لجعل الجمهور يتفق معه.
الخطابة في العصور الجاهلية
-
تميز هذا الفن بانتشاره في جميع المناسبات، حيث ألقى بعض الخطباء الخطابات بغرض النصح والإرشاد، بينما آخرون استخدموه للتفاخر أو ذم الآخرين.
- كما استخدم بعض الأشخاص فن الخطابة لدعوة السلام بين القبائل ولإيقاف سفك الدماء.
- شهد فن الخطابة شهرة واسعة في العصر الجاهلي، ونتج عن ذلك إنشاء أسواق خاصة مثل سوق عكاظ، فضلاً عن إلقائها في المحافل أو عند استقبال الملوك.
- الأسلوب السجعي كان شائعًا بين الخطباء وقد لفت نظر المؤرخين أثناء دراستهم لتلك النصوص.
مكونات الخطبة
تتكون الخطبة من قسمين رئيسيين:
- العمود: يحتوي على نص الخطبة والمعلومات الأساسية التي تهدف إلى إقناع الجمهور، وسُمي بهذا الاسم لأنه العنصر المركزي في الخطبة.
-
الأعوان: تشمل الأمثلة التي تدعم مبررات الخطيب والعوامل التي تؤثر على الجمهور.
- تساعد هذه العناصر الخطيب على إقناع الجمهور أكبر قدر ممكن، سُمّيت بالأعوان لأنها تدعمه في إلقاء حجته.
أشهر الخطباء في العصر الجاهلي
شهد العصر الجاهلي العديد من الخطباء البارزين، ومن بينهم:
- لبيد بن ربيعة.
- قس بن ساعدة الإيادي، الذي أضاف تعبير “أما بعد” كنوع من الفصل بين الفقرات.
- سهيل بن عمرو.
- هرم بن قطبة الفزاري.
- أبو الطمحان القيني.
- دويد بن زيد.
- الحارث بن كعب المذحجي.
- قيس بن زهير العبسي.
- سحبان بن وائل.
- عطارد بن حاجب.
- قيس بن عاصم المنقري.
- نعيم بن ثعلبة الكناني.
- عمرو بن كلثوم.
- الأوس بن حارثة.
- ذو الإصبع العدواني.
- أكثم بن صيفي التميمي.
- مرثد الخير الحميري.
أسباب انتشار فن الخطابة في العصر الجاهلي
- الحياة التي عاشها العرب في الصحراء والفروسية.
- تعدد القبائل في شبه الجزيرة العربية والنزاعات بينها، مما أدى إلى بروز خطابات الهجاء والتفاخر بالقبيلة.
- ندرة المعرفة بالكتابة بين كثير من الناس أضفى أهمية على فن الخطابة كوسيلة للتواصل.
- وجود الأسواق التي تجمع عددًا كبيرًا من الجمهور، مما وفر فرصًا للخطباء لعرض إبداعاتهم.
ميزات الخطابة في العصر الجاهلي
تفوق العرب في فن الخطابة بفضل طلاقتهم وبلاغتهم، مما ساهم في شهرة قصائدهم وخطبهم. وإليكم بعض ميزات فن الخطابة في هذا العصر:
- تستخدم الجمل القصيرة لنقل الأفكار بشكل مباشر وفاعل.
- تجنب الإطالة في المقدمة والانتقال سريعًا إلى صلب الموضوع لجذب انتباه الجمهور.
- يجمع الخطباء بين فطرتهم الفطرية ومهاراتهم المكتسبة من الممارسة المستمرة.
- صياغة مباشرة وشاملة لموضوع الحديث.
- الاتصال المركّز على موضوع واحد خلال الخطبة، مما يسهل على الجمهور فهمه.
- تنويع الموضوعات لتفادي ملل الجمهور خلال الخطب.
- استخدام الأمثال والمقاييس لتكون عوناً له أمام الجمهور.
- التكرار الاستراتيجي للعناصر الهامة ليسهل تذكرها.
- اختيار الخطيب المناسب مع قوة صوت وفصاحة بيان، حيث يتجنب الجمهور الخطباء الذين يتحدثون بشكل غير سليم.
- استخدام البديع في الأسلوب ومنها أسلوب السجع.
العلاقة بين الشعر والخطابة في العصر الجاهلي
- لقد كان الشعر فنًا معروفًا في العصر الجاهلي، يتيح للشعراء سرد الأحداث والمواقف بأسلوب أدبي جميل، حيث يمكنهم من خلاله الفخر بقبائلهم وذم أعدائهم.
- لكن ازدياد عدد الشعراء ساهم في تشتت انتباه الجمهور، مما أدى إلى انخفاض الاهتمام بالشعر. وهنا دخل فن الخطابة كوسيلة تواصل فعالة، مما جعله يحقق شهرة بارزة، وفق ما ذكره الجاحظ.