يعتبر كتاب سنن الترمذي مرجعاً مهماً يلجأ إليه الكثيرون لاستكشاف أصالة السنة وما تتضمنه من مسائل. عند مواجهة صعوبات تتعلق بالأمور الدنيوية أو استفسارات عن الحياة الآخرة، يكون العودة إلى الأصل، وهو السنة، هي الخيار الأمثل.
كتاب سنن الترمذي
- يُعتبر كتاب سنن الترمذي واحدًا من أبرز مؤلفات الإمام، ويعرف بعدة مسميات، إلا أن الاسم الدقيق له هو “الجامع المختصر من السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم” والذي يتناول ما هو صحيح ومعلول وما يتوجب العمل به.
- على الرغم من أن الكتاب قد طُبع في عدة إصدارات، إلا أن معظمها لم يحمل الاسم الصحيح، بل عُرفت بأسماء خاطئة مثل “الجامع الصحيح” و”الجامع الكبير”، وهي أسماء لا تعكس محتوى الكتاب بدقة.
- يمتاز الكتاب بكثير من الفوائد الحديثية، الأمر الذي جعله مرجعاً رئيسياً للباحثين والكتّاب في علم الحديث، خاصة في مجال علل الحديث.
- وقد أُدرج الكتاب ضمن مجموعة الكتب الستة المعروفة، ويقدم لمحة مختصرة عن الأسلوب الذي اعتمده الإمام في هذا العمل.
كما يمكنك الاطلاع على:
منهج الإمام الترمذي في كتاب سنن الترمذي
- يعتمد الإمام على منهجية دقيقة في دراسة الأسانيد، حيث يعرف السند على أنه سلسلة الرجال (الرواة) التي توصل إلى المتن. يكشف السند عن مدى صحة الحديث، سواء كان قوياً أو ضعيفاً.
- من النقاط الجوهرية في الأسانيد أن الإمام لا يقبل أحاديث الروايات الضعيفة، وإن ذكر حديثاً ضعيفاً، فإنه يوضح ذلك بشكل صريح.
- بعد روايته للحديث، يقوم الإمام بإبداء حكمه حول هذا الحديث، مع ذكر أي مصطلحات خاصة تتعلق به.
- تطرق الإمام إلى علل الحديث بشكل مكثف، حيث أنها تكشف عن صحة الأحاديث، وقد خصص جزءاً من الكتاب لهذا الغرض.
- ترتيب الإمام للكتاب تم بطريقة علمية وفق النوع والأبواب والعناوين الفقهية، لأن معظم الأحاديث تتعلق بأحكام فقهية، ولكنها تتضمن أيضًا موضوعات متنوعة مثل التفسير ويوم القيامة.
- أما بالنسبة لترتيب الأحاديث، فقد اتبع الإمام أسلوباً يظهر العلل أولاً وبعدها يوضح الأحاديث الصحيحة ليفرق بينهما.
- ضمن الكتاب، قام الإمام بسرد بعض الأحاديث المرسلة والمنقطعة، ولم يقتصر على الموصولة فقط، موضحاً آراء فقهاء الصحابة والتابعين بعبارات واضحة للغاية.
- كما أورد الأمام الأحاديث الموقوفة مع التعليق عليها بوضوح.
- تجنب الإمام تكرار الأحاديث إلا عند الحاجة وبفائدة جديدة، فكان يحرص على أن يكون أي تكرار ذا مغزى.
- تحدث الإمام عن الجرح أو التعديل في الروايات حينما تقتضي الضرورة ذلك، وهذا هو منهجه في المتون، حيث يتناول النص النهائي للحديث بعد سلسلة الرجال.
- يتسم أسلوب الإمام في المتون بالتراجم الواضحة لأبواب الكتاب، وهو أسلوب كان يستخدمه بصورة أكبر مقارنةً بالأساليب الأخرى، حيث تتيح هذه التراجم للقراء اكتساب فكرة سريعة عن محتوى كل باب.
كما يمكنك الاطلاع على:
ما قاله العلماء عن كتاب سنن الترمذي وأهميته
- كان لدى الإمام اهتمام خاص بالألفاظ غير المألوفة في متن الحديث، وسعى لتوضيح معانيها ودلالاتها، بالإضافة إلى كتابة فوائد الحديث بعد ذكره.
- إن كتاب سنن الترمذي يُعتبر ذو أهمية كبيرة ويحتل مكانة متميزة لأنه يجسد ثمرة جهود مضنية للإمام الترمذي.
- عرض الإمام كتابه على علماء العراق وخراسان والحجاز، وقد لقي استحساناً وموافقة، مما يعكس جودة الكتاب وما يحمله من علم عظيم.
- ذكر أحمد شاكر رحمه الله أن كتاب الترمذي يتميز بخصائص فريدة لا توجد في كتب السنة الستة الأخرى.
- قال الشيخ إسماعيل الهروي رحمه الله: “الجامع يصل إلى فائدته كل أحد.”
- ووفقًا لما قاله الإمام الترمذي عن كتابه: “من كان لديه هذا الكتاب في منزله كأنه في منزله رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث.”
- وصف القاضي أبو بكر بن العربي الكتاب بأنه لا يوجد مثله في سلاسته ونقائه، مشيداً بتنوع العلوم التي يحتوي عليها.
- ناقش العلماء بعضهم البعض بشأن قبول أو رفض موضوعاته، حيث أثاروا اختلافات في تأويله، وكل عنصر يحمل دلالة واضحة في مجال بحثه.
بعض من شروح سنن الترمذي
- من أبرز الشروح، كتاب “عارضة الأحوذي في شرح الترمذي” للإمام أبو بكر الأشبيلي المعروف بابن العربي المالكي.
- كذلك، كتاب “تحفة الأبنودي شرح جامع الترمذي” للعلامة محمد المباركفوري.
- وأيضًا كتاب “قوت المغتذي على جامع الترمذي” للحافظ جلال الدين السيوطي.
نبذة عن الإمام الترمذي
- هو محمد بن عيسى بن موسى بن الضحاك، وُلد في شهر ذي الحجة عام 209 هـ في مدينة ترمذ في مطلع القرن الثالث الهجري، وتحديداً في قرية بوغ.
- كان الإمام مخلصًا في طلب العلم وشديد الحفظ، حيث أفنى حياته في دراسة الحديث والتنقل عبر البلدان في سبيل العلم.
- تنقل بين عدة بلدان مثل خراسان والعراق ومكة والمدينة لنهل المعرفة.
- ألف الإمام عدة أعمال منها “الجامع للسنن”، و”كتاب العلل الصغرى”، و”كتاب العلل الكبرى”، و”كتاب الشمائل المحمدية”، و”كتاب الزهد”، و”كتاب التاريخ”، و”كتاب الأسماء والكنى”.
- بعد حياة حافلة بالعلم والجد واجه الإمام مرضاً أفقده بصره في أواخر أيامه، وتوفي في قريته في شهر رجب عام 279 هـ.
ما قيل عن الترمذي رحمه الله؟
- وصفه العديد من العلماء بالتقوى والإيمان وقوة الحفظ، حيث قال ابن حبان رحمه الله: “كان أبو عيسى ممن جمع وصنف، وحفظ وفهم وذاكر”.
- أشار أبو سعد الإدريسي رحمه الله إلى أن الترمذي هو واحد من الأئمة الذين يُقتدى بهم في علم الحديث، واعتبر مؤلفاته نموذجاً يحتذى به.
- ذكر الحاكم رحمه الله قول عمر بن علي: “مات البخاري ولم يخلف في خراسان مثل أبي عيسى في العلم والحفظ والورع”.