تعتبر قصيدة المتنبي “واحَر قلباه ممن قلبه شَبم” واحدة من أبرز قصائد الشاعر العظيم المتنبي، حيث تمثل عتابًا قدمه إلى سيف الدولة الحمداني نتيجة لمشاعره تجاه حديث الحاقدين والحاسدين الذي وصل إلى مسامعه.
سنتناول في هذا المقال تحليل القصيدة ومفاهيمها ومعانيها بصورة شاملة، لذا تابعونا.
قصيدة المتنبي: واحر قلباه ممن قلبه شبم
تتناول قصيدة المتنبي “واحَر قلباه ممن قلبه شَبم” الأفكار التالية:
واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ ……….. وَلَمّا بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
مالي أكَتِّمُ حبّاً قَد بَرا جَسَدي ……. وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ
إِن كانَ يَجمَعنا حُبٌ لِغرَّتِهِ ……… فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ
قد زرتُهُ وسُيوفُ الهندِ مغمَدَةٌ ……… وَقَد نَظَرتُ إِلَيهِ وَالسُيوفُ دَمُ
فَكانَ أَحسَنَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ ……… وَكانَ أَحسَنَ ما في الأَحسَن الشِّيمُ
فَوَتُ العَدُوِّ الَّذي يَمَّمتَهُ ظَفَرٌ ……. في طَيِّهِ أَسَفٌ في طَيِّهِ نِعَمُ
قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوفِ وَاِصطَنَعَت … لَكَ المَهابَةُ مالا تَصنَعُ البُهَمُ
أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها … أَن لا يوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ
أَكَلَّما رمتَ جَيشاً فَاِنثَنى هَرَباً …….. تَصَرَّفَت بِكَ في آثارِهِ الهِمَمُ
عَلَيكَ هَزمُهُمُ في كلِّ معتَرَكٍ …….. وَما عَلَيكَ بِهِم عارٌ إِذا اِنهَزَموا
أَما تَرى ظَفَراً حلواً سِوى ظَفَرٍ …. تَصافَحَت فيهِ بيضُ الهندِ وَاللِمَمُ
يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في معامَلَتي … فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ
استمرار قصيدة المتنبي: واحر قلباه ممن قلبه شبم
أعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً … أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ
وَمَا اِنتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظِرِهِ … إِذا اِستَوَت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُّلمُ
سيعلُم الجمعُ ممن ضمَّ مجلسُنا ……. بأنني خيرُ مَن تسعى به قَدَمُ
أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي ……. وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ
أَنامُ مِلءَ جفوني عَن شَوارِدِها …… وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ
وَجاهِلٍ مَدَّهُ في جَهلِهِ ضَحِكي ………. حَتّى أَتَتهُ يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
إِذا رأيتَ نيوبَ اللَيثِ بارِزَةً ………. فَلا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَيثَ يبتَسِمُ
وَمهجَةٍ مهجَتي مِن هَمِّ صاحِبِها …… أَدرَكتُها بِجَوادٍ ظَهرُهُ حَرَمُ
رِجلاهُ في الرَكضِ رِجلٌ وَاليَدانِ يَدٌ ….. وَفِعلُهُ ما تريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ
وَمُرهَفٍ سِرتُ بَينَ الجَحفَلَينِ بِهِ .. حَتّى ضَرَبتُ وَمَوجُ المَوتِ يَلتَطِمُ
الخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ تَعرِفُني … وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ
صَحِبتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ مُنفَرِداً .. حَتّى تَعَجَّبَ مِنّي القورُ وَالأَكَمُ
يا مَن يَعِزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُم …….. وِجدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ
ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرُمَةٍ …….. لَو أَنَّ أَمرَكُمُ مِن أَمرِنا أَمَمُ
إِن كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا ……… فَما لِجُرحٍ إِذا أَرضاكُمُ أَلَمُ
وَبَينَنَا لَو رَعَيتُم ذاكَ مَعرِفَةٌ …….. إِنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النُهى ذِمَمُ
كَم تَطلُبُونَ لَنا عَيباً فَيُعجِزُكُمْ ……… وَيَكرَهُ اللَهُ ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ
ما أَبعَدَ العَيبَ وَالنُقصانَ عَن شَرَفي … أَنا الثُرَيّا وَذانِ الشَيبُ وَالهَرَمُ
لَيتَ الغَمامَ الَّذي عِندي صَواعِقُهُ …… يُزيلُهُنَّ إِلى مَن عِندَهُ الدِيَمُ
أَرى النَوى تَقتَضيني كُلَّ مَرحَلَةٍ …… لا تَستَقِلُّ بِها الوَخّادَةُ الرُسُمُ
لَئِن تَرَكنَ ضُمَيراً عَن مَيامِنِنا ……. لَيَحدُثَنَّ لِمَن وَدَّعتُهُم نَدَمُ
إِذا تَرَحَّلتَ عَن قَومٍ وَقَد قَدَروا ……. أَن لا تُفارِقَهُم فَالراحِلونَ هُمُ
شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ ……. وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ
وَشَرُّ ما قَنَصَتهُ راحَتي قَنَصٌ …….. شُهبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ وَالرَخَمُ
بِأَيِّ لَفظٍ تَقولُ الشِعرَ زِعنِفَةٌ ……. تَجوزُ عِندَكَ لا عُربٌ وَلا عَجمُ
هَذا عِتابُكَ إِلّا أَنَّهُ مِقَةٌ …….. قَد ضُمِّنَ الدُرَّ إِلّا أَنَّهُ كَلِمُ
تحليل قصيدة المتنبي: واحر قلباه
- تُعرف هذه القصيدة أيضاً بقصيدة البردة، نظراً لما تحمله من ثناء موجه لسيف الدولة الحمداني، وأيضاً لعلاقته بالطبيعة البشرية.
- كما تتضمن عتاباً له بسبب حديث الحاسدين الذي سمعه.
- في القصيدة، يتجلى تأوه المتنبي، مما يعكس المكنون الذي يعتمل في نفسه من ألم وضيق، تحديدا نتيجة حبه لسيف الدولة.
- الشاعر يعبر عن همومه بسبب عدم ت reciprocating Sif هو المحبة.
واحَرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ ……….. وَلَمّا بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
مالي أُكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي ……. وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ.
- ثم ينتقل المتنبي لمدح سيف الدولة كعادته، مشيداً بالقيم والأخلاق الرفيعة، كما ورد في البيت التالي:
- فكانَ أَحسنَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ ……… وَكان أَحسَنَ ما في الأَحسَن الشِّيمُ.
- تتبع ذلك الإشارة لقوة سيف القتال والبسالة التي يتمتع بها.
- كما يبرز الشجاعة التي يتمتع بها سيف الدولة في مواجهته لأعدائه، كما يتضح في الأبيات التالية:
- أَكَلَّما رَمَتَ جيشاً فَانثَنى هَرَباً …….. تَصَرَّفَت بك في آثاره الهِمَمُ.
- عليك هَزمهمُ في كلِّ مُعتَرَكٍ …….. وما عليكَ بِهِم عارٌ إذا انهزموا.
- ينوه الشاعر إلى عتاب كبير حين يذكر عدم عدل سيف الدولة في محاكمته له، في هذا السياق يُفصح:
- يا أعدلَ الناسِ إِلّا في معامَلَتي … فيكَ الخصامُ وَأنتَ الخصمُ وَالحَكَمُ.
استمرار تحليل قصيدة المتنبي: واحر قلباه
- يتبع ذلك الفخر بالنفس والشعر، حيث يظهر المتنبي أنه الأبرز في مجلس سيف الدولة، مُبرزاً موهبته مقارنة بالآخرين.
- تزداد شهرة المتنبي مع مرور الزمن وتصبح أشعاره معروفة في الأوساط الثقافية.
- كما يؤكد على تفوقه ويُظهر أنه ينام مطمئنًا على أعماله الشعرية، بينما يسهر الشعراء الآخرون لتحقيق الأفضل.
- ومن هنا، ينطلق نحو الفخر بقصائده فيقول:
- أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي ……. وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ.
- يمّيز أيضاً بين ثباته وشهرته، على الرغم من التغيرات المستمرة من حوله.
- كما يتضح في الأبيات التالية:
- الخيلُ والليلُ والبيداءِ تَعرفني … والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ.
- في سياق العتاب، يُبرز مشاعره من الحزن نحو فرص الفراق مع سيف الدولة، كما يُظهر حكمة عن الصداقة والرفقة في الحياة، وذلك على النحو التالي:
- شَرُّ البِلادِ مكانٌ لا صَديقَ بِهِ ……. وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ.
- بالإضافة إلى ذلك، يُشدد الشاعر على أهمية عدم تحريف الحقائق، مثل رؤية المريض كصحة في حال حوله.
معاني المفردات في قصيدة “واحر قلباه”
- واحَر قلباه: أسلوب ندبة.
- شبم: بارد.
- سقم: مرض مزمن.
- أكتم: أخفي، أكظم.
- برى: أهزل، وأوهن، أضعف.
- تدعي: يظهر خلاف ما يضمر، تزعم.
- غرته: مقدمة الرأس.
- أعيذها: أنزهها، اعتصم بها.
- ورم: انتفاخ.
- الظلم: الظلام، العتمة.
- أدبيّ: شعريّ، قصيدتي.
- صمم: فقدان السمع، طرش.
- شورادها: قصائد الشعر.
- يختصم: يتنازع، يتقاضى.
- عدم: غير موجود.
- أخلقنا: أجدرنا.
- سركم: أسعدكم.
- ألم: وجع.
- أهل النهى: أصحاب العقول الراجحة.
- الذمم: العهود.
- يعجزكم: أي لا تقدرون عليه.
- الغمام: السحاب.
- صواعق: النار تسقط من السماء.
- الديم: المطر من غير رعد أو برق.
- النوى: البعد، الابتعاد.
- يقتضيني: يكلّفني.
- كل مرحلة: كل مسافة.
- الوخادة: الإبل السريعة.
- الرسم: الإبل السريعة.
- ترحلت: انتقلت، تحولت.
- ما يصم: ما يجلب العار لصاحبه.
- عتاب: لوم، معاتبة.
- مقة: المحبة، المودة.
- الدر: اللؤلؤ، وجمعها الدرر.
- كما يتضح في الأبيات التالية: