ديوان الإمام الشافعي
يمثل هذا الديوان إحدى الاستراتيجيات الفكرية التي تجمع بين وصايا ومبادئ الدين مع تناغم الألفاظ الذي يميل الناس لسماعه. ومن الموضوعات البارزة التي تجلت في كلام الشافعي يمكننا الإشارة إلى النقاط التالية:
- عمر الإنسان هو فترة قصيرة حتى وإن طالت السنوات، حيث تقاس الأعمار بالأعمال لا بالسنوات. فكم من شخص صغير حقق إنجازات كبيرة وتوفي في ريعان شبابه، وكم من كهل عاش طويلاً دون أن يترك أثرًا.
- احذر من اتباع هواك، فذلك الهوى هو المدخل الأول للإغواء والسقوط في براثن المعاصي. إن كلام الله هو السبيل للنجاة، بينما حديث النفس هو قارب صغير يجرفه تيار الشهوات حيث يشاء.
- لا تسخر من الدعاء، فهو سلاح المؤمن الواثق بربه. به قُسِّم البحر لموسى وبات إبراهيم في مأمن من النار. يعد الدعاء اختبارًا للتوكل على الله، فاحمل هم الدعاء وأترك هم الإجابة، وكن واثقًا برزق ربك.
- الشيب علامة على الفناء، فعندما يبدأ الشعر في التحول إلى الأبيض، يجب على الشخص أن يدرك فناءه الحتمي. في تلك المرحلة يضعف الجسد، لذا اغتنم قوتك قبل فوات الأوان.
- الفقر الحقيقي هو فقدان القيم والنية الصالحة، فالمال وحده لا يعوض ذلك. كن غنيًا بالعلم والأخلاق، فصاحبها يرقى بها، بينما المال قد يكون فتنة تحمل السقوط أو النجاح.
- إحدى أشد صيغ الإنصاف سوءًا قبول هزيمتك الذاتية من أجل الآخرين، أو إنصاف الجائر بدافع المساعدة. لذا، لا تروج للباطل، واعتمد على الحق، فالرجل يُعرف بحقِه والحق لا يُعرف بالرجال.
- استعرض الشافعي أيضًا في ديوانه مواضيع تتعلق بأخلاق المسلم، وتطرق لمواقف بيعت فيها الدين بالدنيا، وعنوان موضوع آخر يكشف عن عزمه على استكشاف البلاد.
- لم يتوقف ديوان الشافعي عند هذه النقاط بل عالج مواضيع أخرى تتعلق بالبراءة كطفل صغير، وكذلك عبر عن مشاعره في بعض الأبيات الشهيرة.
اقتباسات من أشعار الشافعي
تتضمن أشعار الشافعي العديد من الأبيات التي يصعب العثور على شخص لم يسمع بها، ومنها:
تَموتُ الأسَدُ في الغاباتِ جوعًا ولحمُ الضأنِ تأكله الكلاب.
عبدٌ ينامُ على حريرٍ وذو علمٍ مفارشه التراب.
ومن بين الأبيات الأخرى الأنيقة التي جاءت بشعر الشافعي:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما تدري بما صنع الدعاء.
سهام الليل لا تخطئ ولكن لها أمدٌ وللأمدِ انقضاء.
من خلال هذين البيتين يوضح الشافعي قيمة ما يكتسبه الحاصل على العلم مقارنة بالجهل. ويبدو أن أشعاره، على الرغم من مضي مئات السنين، لا تزال تعبر بصدق عن واقعنا، مما يعد جزءًا من الثقافة العربية التي انتقلت عبر الأجيال، بالإضافة إلى قوة الدعاء الذي يحقق أعظم الأماني.
لمعرفة المزيد، يمكنكم الاطلاع على:
علم الشافعي بالعربية
تأثر الإمام الشافعي بعدة عوامل تتعلق بنشأته وأصله العربي، مما كان له تأثير كبير على اللغة الحية التي كتب بها أشعاره، بما في ذلك ديوانه الشهير. ومن بين هذه العوامل:
- هو محمد بن إدريس الشافعي القرشي، الذي ينتمي إلى مكة المكرمة، فهو بالتالي وريث للفصاحة والعربية الأصيلة.
- وفقًا لأشهر الروايات، وُلد في غزة بفلسطين، بينما يشير آخرون إلى احتمال ولادته في اليمن.
- خشيت والدته أن يؤثر نسبه على هويته الأصلية، فأرسلته إلى مكة المكرمة عندما كان عمره عشر سنوات، حيث عاش بها حتى وفاته.
- ومن الشهادات التي تدل على بلاغة الشافعي، ما قاله أحمد بن حنبل عنه بأنه من أفصح الناس، وكذلك ما ذكره الربيع بن سليمان عنه بأنه قد وُلِد بأصل عربي فصيح اللسان.