تعريف الالتزامات الشرعية في الإسلام

الواجب الشرعي: مفهومه وأقسامه

تعددت آراء الفقهاء حول تعريف الواجب الشرعي، ويمكن تصنيفه إلى رأيين رئيسيين؛ الرأي الأول يتبناه جمهور المالكية والشافعية والحنابلة، بينما يتمثل الرأي الثاني في المدرسة الحنفية. وفيما يلي توضيح لكلا التعريفين.

تعريف الواجب الشرعي حسب رأي الجمهور

الواجب الشرعي هو ما يتطلب فعله بشكل ملزم، ويُعاقب تاركه عمدًا. يصفه الجمهور بأنه حكم شرعي يُلزم الأفراد، ويترتب على هذا الإلزام الثواب للفاعل والعقاب للعاصي، بغض النظر عن الوقت. يُعرف الفعل الذي يُذم تاركه باسم الواجب. وتتعدد الصيغ التي تدل على الواجب، ونذكر منها:

  • فعل الأمر، كما في قوله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ).
  • الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر، مثل قوله -تعالى-: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
  • اسم فعل الأمر، كقوله -تعالى-: (عَليكم أَنفُسَكم).
  • ترتيب العقاب على تركه، كما في قوله -تعالى-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
  • التعبيرات التي تدل على الوجوب في اللغة العربية، كقوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ).
  • النص صراحة من الشارع، سواء باستخدام مصطلحات مثل “الوجوب” أو “الفرض”، كما في قوله -تعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ).
  • المصدر الذي يُعبر عن فعل الأمر، كما في قوله -تعالى-: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ).

وقد عرّف بعض العلماء الواجب بأنه ما أمر به الشارع بشكل ملزم، مما يستبعد غير المأمور به مثل المحرمات والمكروهات والمباحات. كما يستثنى من ذلك المستحب عند ذكر “على وجه الإلزام”، حيث إن الأمر به لا يأتي في سياق الإلزام. والمقصود بالشارع هو الله -تعالى- والنبي -عليه الصلاة والسلام-. ويعتبر الجمهور، بخلاف الحنفية، أن مصطلحي الفرض والواجب يحملان نفس المعنى.

تعريف الواجب الشرعي كما يعرفه الحنفية

عرف الحنفية الواجب بأنه ما ثبت طلبه جازماً بدليل ظني، سواء كان ظني الثبوت أو الدلالة، أو كليهما. ويستحق الفرد العقاب والذم عند تركه عمدًا. ويقسم الحنفية الأمر إلى نوعين: الأول هو ما ثبت بدليل قطعي ويُسمى فرضًا، والثاني ما ثبت بدليل ظني ويُعرف بالواجب.

الأثر المترتب على اختلاف التعريف

يرى جمهور الفقهاء أن الواجب هو ما ثبت بدليل شرعي، سواء كان دليلاً قطعيًا أو ظنيًا. بينما يقتصر الحنفية على ما يثبت بالدليل الظني فقط. ويعتبر من الأدلة القطعية تلك التي تندرج تحت ما هو متواتر؛ كما في الآية: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)، التي تُعتبر فرضًا عند الحنفية، فيما يُعتبر ما يُدعم بدليل ظني بمثابة الواجب، مثل صلاة الوتر، حيث ورد الأمر بها في أحاديث أحادية ليست متواترة. ومن الجدير بالذكر أن العمل بالدليل الظني مطلوب عند كلا الفريقين، لذا فإن الخلاف في تعريف الواجب لا يؤثر في المسائل الفقهية، ولكنه ينعكس في مسائل الاعتقاد، حيث أن إنكار ما هو قطعي يُعد كفرًا، بينما إنكار ما هو ظني لا يُعتبر كفرًا، ولكنه يُفسق.

فئات الواجب الشرعي

قسّم العلماء الواجب إلى عدة فئات حسب اعتبارات متنوعة، وتوضيح ذلك كما يلي:

  • الفئة الأولى: حسب ذات الواجب؛ تنقسم إلى واجب معين، وهو الذي لا يصح بديله؛ كالصلاة، وواجب غير معين في فئات محصورة، حيث يكون هناك واجب ولكن ليس على حدة، مثل الكفارة في الآية: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ). كما يُطلق على هذا الواجب بالواجب المخيّر، حيث يُعطى المكلف الخيار بين أنواعه.
  • الفئة الثانية: حسب الوقت؛ ينقسم إلى واجب مضيق، وهو الذي لا يتسع وقته لأكثر من فعله مثل صيام رمضان، وواجب موسع، حيث يتسع وقته لأكثر من فعله مثل أوقات الصلاة الخمس، بحيث يمكن تنفيذ الفعل في أي جزء من وقته، سواء في بدايته أو نهايته.
  • الفئة الثالثة: حسب الفاعل؛ يُقسم إلى واجب عيني، وهو ما يكون واجبًا على كل فرد بعينه؛ كالصلاة، وواجب كفائي، وهو ما يكفي فيه قيام بعض الأشخاص به لرفع الإثم عن الجميع؛ كصلاة الجنازة، حيث ينظر الشرع فيه إلى الفعل بدلاً من الفاعل.
Scroll to Top