تجارب جان بياجيه على الأطفال
أجرى جان بياجيه مجموعة من التجارب لتطوير فرضيات نظريته حول التطور المعرفي لدى الأطفال. وقد ركز على كيفية تشكل المفاهيم الأساسية في عقولهم، مثل العدد والزمن والكمية. لم يكن اهتمامه منصباً على قياس قدرات الأطفال في العد أو التهجئة أو حل المشكلات لتحديد مستوى ذكائهم، بل كان يسعى لفهم الآليات والعمليات العقلية التي تسهم في تطور الأطفال بداية من لحظة الولادة وحتى سن البلوغ. تنمو هذه القدرات تدريجياً نتيجة النضج البيولوجي والتجارب البيئية. وقد أدى ذلك إلى تقديمه لنموذج التطور المعرفي المكون من أربع مراحل: المرحلة الحسية الحركية، ومرحلة ما قبل العمليات، ومرحلة العمليات الملموسة، ومرحلة العمليات المجردة.
المخططات العقلية
اعتمد بياجيه على مفهوم المخططات، حيث قسم الأشياء إلى مجموعات واعتبر أن الأطفال يمتلكون هياكل معرفية وراثية تبنى عليها كافة خبراتهم ومعلوماتهم. من بين تجاربه الشهيرة وفق هذا المفهوم، قام بعرض كوبين مملوءين بنفس الكمية من الماء على ثلاثة أطفال من أعمار مختلفة، وسألهم: “هل يحتوي الكوبان على نفس الكمية من الماء؟” ثم أعاد السؤال بعد أن صب كمية الماء من أحد الأكواب في وعاء آخر. لاحظ أن الأطفال الأصغر سناً لم يتمكنوا من إدراك أن كمية الماء لم تتغير، مما يدل على عدم قدرتهم على فهم مفهوم الثبات. وباستخدام مفهوم المخططات، أجرى تجربة أخرى عرض فيها صفين متساويين من الأشكال، وسأل الأطفال عن ما إذا كان الصفان متساويين، ثم نشر أحدهما على الطاولة ليجد أن بعض الأطفال الكبار استوعبوا أن العدد بقي كما هو، بينما لم يتمكن الأصغر سناً من ذلك.
المرحلة الحسية الحركية
تشمل هذه المرحلة الفترة الممتدة من الولادة حتى عمر السنتين. وقد أظهرت تجارب بياجيه أن الأطفال في هذه المرحلة يمكنهم تمييز الأشياء وفهمها من خلال تجارب حسية مثل البصر أو اللمس. على سبيل المثال، عندما عرض لعبة على الأطفال في هذه العمر ثم أخفاها تحت بطانية، لوحظ أن الأطفال في الفترة من 18 إلى 24 شهراً بدأوا يبحثون عن اللعبة، بينما الأطفال الأقل من 6 شهور لم يقوموا بذلك، مما يعني أن إدراكهم يعتمد على رؤية الشيء، حيث يتطلب منهم فهم استمرارية الأشياء.
مرحلة ما قبل العمليات
اكتشف جان بياجيه أن الأطفال في هذه المرحلة، التي تمتد من عمر سنتين حتى 7 سنوات، يتمتعون بقدرة على تمثيل الأشياء عبر أنشطة متنوعة. من أبرز الأمثلة على ذلك هو اللعب الدرامي، حيث يمكن للأطفال دمج خيالهم مع واقعهم، مما يسهم في الابتكار. على سبيل المثال، قد يستخدم الطفل موزة كهاتف ويتحدث من خلالها. تم تبني العديد من المدارس لتجارب بياجيه، بما في ذلك تخصيص وقت للعب الدرامي في الصفوف الأولى لتعزيز المهارات المعرفية لدى الطلاب.
مرحلة العمليات الملموسة
تتسم هذه المرحلة، التي تمتد من 7 إلى 11 سنة، بأن العمليات العقلية تعتمد على فهم الأمور والأحداث الملموسة. يصبح الأطفال في هذه المرحلة قادرين على حل المشكلات بطريقة منهجية أكثر. من التجارب التي أجراها بياجيه لتوضيح الفروقات بين هذه المرحلة وما قبل العمليات، كان تجربة حفظ الكمية. حيث قدم كرتين من الطين بنفس الحجم وسأل الأطفال إذا كانتا تحتويان على نفس الكمية. وقد أجاب الأطفال من المراحل المختلفة بشكل صحيح. إلا أن الأطفال الأقل من 7 سنوات لم يتمكنوا من إدراك أن كمية الطين لا تتغير حتى مع تغير الشكل، بينما الأطفال في مرحلة العمليات الملموسة أظهروا فهمًا للتوازن الكمي.
مرحلة العمليات المجردة
تشمل هذه المرحلة الفئات العمرية من 11 سنة فما فوق، وقد كان بياجيه يولى اهتماماً خاصاً للتفكير الاستدلالي في التجارب العلمية. وقد قام بإجراء العديد من الدراسات على المراحل الإعدادية والثانوية. من بين هذه الدراسات كانت تجربة البندول، حيث طُرِحت أسئلة مجردة تتعلق بسرعة تأرجح البندول، وطُلب من الطلاب التفكير في الإجابات دون لمس البندول. كان الهدف اختبار قدرتهم على التفكير في الاحتمالات ومعالجة النتائج بشكل تخيلي. هذه المهارة تعكس الدقة المعرفية التي تتميز بها هذه المرحلة.