حفظ القرآن الكريم
اختتم الله -عز وجل- الكتب السماوية بالقرآن الكريم، الذي يُعد آخر وحي أنزل على البشرية. وقد أوكل الله -تعالى- مهمة حفظه لنفسه، حيث قال: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكر وإِنّا لهُ لَحافِظون). وقد حمى -سبحانه وتعالى- هذا الكتاب من التحريف والتغيير الذي تعرضت له غيره من الكتب السماوية. وقد ضمن الله -تعالى- بقاء القرآن الكريم وخلوده، ليكون حجة للبشرية حتى يوم القيامة وللبلاغة والعلم من العرب وغيرهم. ومع تحديه للناس جميعاً، فقد فشل الجميع في كشف أي عيب فيه، مما ينفي عنه أي نقص أو شك. قال -عز وجل-: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
تاريخ كتابة القرآن الكريم
كتابة القرآن الكريم في زمن النبي
نزل القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم- عن طريق الوحي، وقد تكفل الله -تعالى- بحفظه. كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أميًا، حيث كانت الأميّة سائدة بين العرب في ذلك الوقت، ومع ذلك، فقد حث النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة -رضي الله عنهم- على كتابة القرآن الكريم ليظل محفوظًا عبر الأجيال. وقد جعل فداء الذين يعرفون الكتابة من أسرى بدرٍ تعليم عشرةً من المسلمين الكتابة. ومن أبرز كتّاب الوحي كان الصحابي الجليل زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه-، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يستدعيه عند نزول الوحي ليكتب الآيات. ورغم أن القرآن لم يُجمع في كتابٍ واحدٍ آنذاك، إلا أنه كان محفوظاً في صدور الصحابة، ومكتوباً على الرقاع والعسب، وكذلك الألواح المتفرقة. وهناك عدة دلائل تدل على كتابة القرآن الكريم في تلك الفترة، ومنها:
- ذُكر مفهوم الكتاب في أكثر من آية، كما في قوله -عز وجل-: (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ)، مما يدل على أنه كان مكتوبًا.
- نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن السفر بالقرآن، حيث قال: (لا تُسافِرُوا بالقُرْآنِ، فإنِّي لا آمَنُ أنْ يَنالَهُ العَدُو)، وهذا يشير إلى أن القرآن كان مكتوبًا في زمنه.
- تولي النبي -صلى الله عليه وسلم- مسؤولية كتابة ما يُنزل من الوحي بعض الصحابة، الذين تم التعرف عليهم بكونهم كتّاب الوحي، كما ورد في حديث البخاري عن أبي بكر -رضي الله عنه- حين طلب من زيد بن ثابت -رضي الله عنه- جمع القرآن.
- مراجعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كان يكتبه الصحابة من الآيات القرآنية.
وقد كُلِّف العديد من الصحابة بكتابة القرآن الكريم، منهم: أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، عليّ بن أبي طالب، زيد بن ثابت، وغيرهم. كان كتّاب الوحي يعتمدون على إملاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لترتيب الآيات، كما قال عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: (كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو كتّابه لتنظيم الآيات). وقد استخدم كتّاب الوحي مواد مثل أغصان النخيل والأخشاب وقطع من الجلود والعظام في التسجيل.
كتابة القرآن الكريم زمن أبي بكر الصديق
دُوّن القرآن الكريم في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- بجميع سوره وآياته، ومع ذلك لم يُجمع بشكلٍ كاملٍ في مصحف واحد، وذلك لاحتمالية نزول المزيد من الآيات. وبعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- وكثرة قتل حفظة القرآن في عصر الخليفة أبي بكر -رضي الله عنه-، أصبح حفظ القرآن الكريم مهددًا. لذا، جمع أبو بكر -رضي الله عنه- الصحابة واستشارهم في جمع القرآن بمصحف واحد، وتم الحصول على موافقتهم على ذلك، وتم الاحتفاظ بالنسخة عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر -رضي الله عنهما.
كان اقتراح جمع القرآن في مصحف واحد من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فأوكل أبو بكر الصحابي الجليل زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بهذه المهمة. وقد اتبع زيد في جمع القرآن منهجًا يعتمد على تتبع ما حفظ في صدور الصحابة وكذلك ما كُتب أثناء حياة النبي. وشدد على ضرورة وجود شاهدين عادلين على أن الآيات التي يتم جمعها كانت قد كتبت بين يدي رسول الله.
كتابة القرآن الكريم زمن عثمان
عندما تولى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الخلافة، كان القرآن قد جُمِع في مصحف واحد، لكنه قام بنسخه إلى ست نسخ وفقًا لأسلوب واحد، وهو لهجة قريش. وعندما كلف مجموعة من الصحابة بنسخ المصاحف قال لهم: (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلغة قريش، فإنما نزل بلغتهم). بعد ذلك، وبعد الانتهاء من النسخ، أمر عثمان بإحراق النسخ الأخرى للحفاظ على النص. قام بتوزيع النسخ الجديدة على عدة مناطق، بما في ذلك دمشقت والكوفة والبصرة.
- رفض عثمان ضم أي نص للقرآن الكريم قبل عرضه على حملة القرآن المتمكنين للتحقق من أنه نص متلو وغير منسوخ.
- استخدم أسلوب رسم مُحدد لكلمات تُقرأ بأكثر من شكل، على سبيل المثال بتخليص بعض الكلمات من الأحرف الزائدة.
- تجريد الكلمات من النقاط والتشكيل في جميع النسخ القرآنية.