مفهوم المقامات القرآنية
يُعتبر تجويد القرآن الكريم وإتقان تلاوته وتحسين الصوت من الأمور الأساسية التي يجب مراعاتها أثناء القراءة، حيث تشكل الركيزة الأساسية لنقل المعاني المرادة من الآيات وتجسيدها بطريقة صوتية تسهم في تحقيق الخشوع والتأمل.
تعريف المقام من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية
تعني كلمة “مقام” في اللغة، موضع الوقوف، بينما تشير في الاصطلاح إلى التركيز على مواضع الجمل الموسيقية عبر مختلف درجات السلم الموسيقي، مما يترك تأثيرًا معينًا على القارئ والمستمع. في التراث القديم، كانت المقامات تعرف بمصطلح الطبع أو الصوت، حيث يُقال “طبع الحجاز”، مما يدل على ارتباط المقامات بطبائع البشر.
في سياق تلاوة القرآن، تدخل المقامات بشكل طبيعي في القراءة دون تكلف، وفقًا لطبيعة الإنسان. فالتلاوة تطلب التأمل والخشوع، ولها تأثير مباشر على القارئ والسامع بسبب تناغم الحروف والأوزان، مما يشجع القارئ على التغني بالآيات، مما يساهم في تأثيرها العميق على النفس.
فئات المقامات القرآنية
من المهم ملاحظة أن تحديد أنواع المقامات قد أتى من قبل أهل الموسيقى والغناء، حيث قاموا بتصنيفها إلى ستة مقامات رئيسية كما يلي:
- مقام البيات: يتميز بلحنه الذي يحث على الخشوع والتأمل.
- مقام الرست: وهو مصطلح فارسي يعني الاستقامة، ويستخدم عادة لتلاوة الآيات ذات الطابع التشريعي أو القصصي.
- مقام النهاوند: ينسب هذا المقام إلى مدينة نهاوند في إيران، ويتميز بالرقة والعذوبة.
- مقام السيكا: يعود أصله إلى بلاد فارس ويشير بالفارسية إلى ثلاث مراحل، ويُستخدم للقراءة ببطء.
- مقام الصبا: يعني النسيم الخفيف ويعكس الروحانية والعاطفة.
- مقام الحجاز: أصله من منطقة الحجاز ويعتبر من المقامات التي تحقق الخشوع بشكل كبير أثناء تلاوة القرآن.
مشروعية المقامات القرآنية
هناك العديد من الأحاديث النبوية التي تدعو إلى تجويد القرآن وتحسين الصوت أثناء تلاوته. ولكن قبل تقديم الأدلة الدالة على مشروعية المقامات، يجب علينا التفرقة بين التغنّي والغناء.
الغناء يتطلب الالتزام بلحن مؤلف وزمن إيقاعي دقيقة لا تقبل التغيير، بينما التغنّي يكون حرًّا وغير مقيد، حيث يتحكم القارئ فيه دون الحاجة إلى الالتزام بزمن إيقاعي محدد، وإنما يخضع للطبيعة دون مبالغة أو تكلف.
ومن الأحاديث التي تحث على تحسين الصوت أثناء قراءة القرآن:
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما أذن الله بشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به).
- عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري: (لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود).
- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (زينوا القرآن بأصواتكم).
وقد أباح بعض العلماء القراءة بالمقامات وتعلمها استنادًا إلى هذه الأدلة وغيرها، بينما اعتبرها آخرون بدعة لا ينبغي متابعتها لأنها قد تباعدنا عن الغرض الأساسي الذي من أجله أنزل القرآن. في حين رأى فريق ثالث إمكانية التوفيق بين الاتجاهات، مشيرين إلى أنه ينبغي أن تكون المقامات وسيلة لتحسين الصوت وضبطه وتمتع بلاغته وفهم معانيه، بدلاً من أن تكون غاية تستهلك الجهود.