تعريف الثقافة في اللغة والاصطلاح
تتضمن الثقافة (Culture) في تعريفها اللغوي معاني متعددة، حيث تُشير إلى الفعل والثقاف هو الأداة التي تُستخدم لتعديل الرماح. فتعبير (تثقيف الرماح) يعني تسوية الرمح باستخدام هذه الأداة. وفي جانب آخر، تُعرف الثقافة بأنها الفطنة، حيث تعني عبارة (ثقف الرجل ثقافة) أن الرجل أصبح خبيرًا وبصيرًا. وتعبر كلمة ثقافة عن كل ما ينير العقل، ويثقف الذوق، ويعزز القدرة على النقد، وفي سياق اشتقاقها من الجذر ثقُّف، تدل على التوسع في معرفة شتى المجالات، وبالتالي يُعتبر الشخص الذي يتمتع بهذا الإلمام شخصًا مثقفًا.
أما في الاصطلاح، فتتسم الثقافة بكونها مجموعة من المعتقدات، والتقاليد، والمعارف، والسلوكيات التي تُشكل جماعة معينة وتتبادلها، ولها تأثير ملحوظ على سلوك الأفراد. كما تعكس الثقافة السمات الفريدة لكل مجتمع، مثل الفنون، والموسيقى، والدين، والعادات والتقاليد، والقيم، وغيرها.
تعريفات إضافية للثقافة
يتسم مفهوم الثقافة بالتنوع والشمولية، حيث يطبق في مجالات علمية متعددة مثل اللغويات، وعلم النفس، والعلوم الإنسانية، والفلسفة، والاقتصاد وغيرها. ومن التعريفات الأكثر شهرة في الأوساط الأكاديمية:
- تعريف مالينوفسكي: يعرّف مالينوفسكي (Malinowski) الثقافة كأداة تحسن من ظروف حياة الإنسان، مما يسهل عليه التعامل مع التغيرات في مجتمعه أو بيئته لتلبية احتياجاته الأساسية.
- تعريف تايلور: يعتبر تايلور (Taylor) الثقافة نظامًا متكاملاً يشمل المعرفة والفن والقانون والعادات والتقاليد والأخلاق وغيرها، مما يكتسبه الفرد كجزء من المجتمع.
- تعريف سابير: قام سايبر (Saper) بتقديم مفهوم شامل للثقافة من خلال ثلاثة تعريفات تكميلية هي:
- كل صفة يتصف بها الإنسان تكون مصدرها الإرث الاجتماعي.
- مجموعة من الأفكار والمعلومات والخبرات التي تحصل عليها مجتمع ما بفعل التأييد الاجتماعي، تعتمد على التراث.
- مجموعة من الأفكار التي تحيط بالحياة والاتجاهات العامة ومظاهر الحضارة التي تميز شعبًا ما، مما يمنحه مكانة فريدة في العالم.
- تعريف كلايد كلوكهون: يعرّف كلوكهون (Clyde Kluckhohn) الثقافة على أنها إرث اجتماعي ينقله الأفراد من مجتمعاتهم، ويشمل أنماط حياة الشعوب تحت هذا المجتمع، بمعنى آخر، هي المعلومات المخزّنة في الذاكرة الفردية أو المكتوبة.
- تعريف ليزلي هوايت: تبرز ليزلي هوايت (WHITE) الثقافة كوسيلة لتنظيم معتقدات الأفراد وقيمهم ومعارفهم، مما يؤثر على أنماط سلوكهم.
مكونات الثقافة
تنطوي الثقافة على مجموعة من العناصر الأساسية التي تختلف وتتطور حسب المجتمعات. إليك أبرز هذه المكونات:
- الثقافة المادية: تشير الثقافة المادية إلى العناصر التقنية مثل وسائل الاتصالات والنقل والطاقة المتاحة في مجتمع ما، والذي يؤثر توفرها أو عدمه على الثقافة.
- اللغة: تعكس اللغة قيم وطبيعة كل مجتمع. تحتوي بعض الدول على لغات ولهجات متعددة، مما يتطلب فهمها لضمان الاتصال السليم؛ ولهذا يجب تعلم اللغة المشتركة عندما ينتمي شخص لثقافة مختلفة.
- الجماليات: تتعلق الجماليات بما يخص الذوق والفن في كل ثقافة، مثل الموسيقى والفن والرقص، وقد يؤثر هذا الاختلاف بين الثقافات على التصاميم والألوان.
- التعليم: يمثل التعليم الأفكار والمهارات والمواقف التي تُنقل للأفراد، ويهدف إلى إحداث تأثير إيجابي في المجتمع ويفرق بين مستويات التعليم المتاحة في المجتمعات المختلفة.
- الدين: يمكّن الدين في أي ثقافة من تفسير سلوك الأفراد، حيث يمثل أفضل وسيلة لفهم لماذا يتصرف الأشخاص بطرق معينة.
- القيم والاتجاهات: تنشأ القيم غالبًا من السياق الديني، بينما تشير الاتجاهات إلى السلوكيات المتجذرة في الموروث الاجتماعي.
- التنظيم الاجتماعي: يحدد التنظيم الاجتماعي الأسلوب الذي يتفاعل به الأفراد ضمن المجتمع، مما ينظم حياتهم.
تجدر الإشارة إلى أن هناك عناصر أخرى تشكل الثقافة، لكن العناصر المذكورة سابقًا تشكل الركيزة الأساسية في كل ثقافة.
خصائص الثقافة
تحتوي كل ثقافة على خصائص متعددة، منها:
- الثقافة اجتماعية: تُعتبر الثقافة ظاهرة اجتماعية لا تُشكل بشكل فردي، بل تحتاج لمجتمع كامل لتحقيقها وتطويرها من خلال التفاعل.
- تعلم الثقافة: الثقافة ليست إرثًا بيولوجيًا يورث من الآباء، بل هي موروث اجتماعي يتم تعلمه من خلال التفاعل.
- انتقال الثقافة: تنتقل الثقافة من جيل إلى آخر عبر نقل الصفات الثقافية، إذ تُنقل من الأباء إلى الأبناء، مما يستدعي ضرورة انتشار اللغة كأداة أساسية لهذا النقل.
- قدرة الثقافة على تلبية احتياجات الأفراد: تتيح الثقافة الفرص المختلفة لإشباع الاحتياجات والرغبات بما ينسجم مع تقاليد المجتمع.
- اختلاف الثقافة: تختلف الثقافة من مجتمع لآخر، وكل مجتمع يمتلك طرقه الخاصة التي تميزه.
- الثقافة مستمرة وتراكمية: تعد الثقافة ذاكرة البشرية، حيث تستمر وتتطور، مع إمكانية إضافة سمات جديدة.
- الثقافة ديناميكية: تتغير الثقافة بتغير المجتمعات والأجيال، مع اختلاف معدل هذه التغييرات.
أهمية الثقافة
تتعدد الأسباب التي تجعل الثقافة عنصرًا هامًا، منها:
- الأجداد: تمثل الثقافة مصدراً مهماً لمعرفة معلومات الأجداد والتاريخ، فتحافظ على التراث الثقافي.
- فهم الذات: تعزز دراسة الثقافة من فهم الفرد لنفسه وهويته، مما يعزز من كرامته وفخره.
- التنوير: يعكس الغوص في الثقافة عمق المعرفة عن العصور السابقة وتطور الإنسان.
- القيم الأخلاقية: تسهم القيم الثقافية في بناء مجتمع أفضل، مما يزرع روح المسؤولية في الأفراد.
- الانضباط: تخلق القواعد الثقافية بيئة للانضباط وتحقيق السلوك الصحيح.
- المعرفة: يمكن أن تعمق دراسة الثقافة فهماً تاريخياً للفرد، مما يمكنه من استيعاب مختلف الأبعاد الثقافية.
- التعاطف: تسهم التقاليد الثقافية في تعزيز التفاهم والتناغم بين الثقافات المختلفة.
- فهم معنى الحياة: تساهم الثقافة في توجيه الناس نحو فهم حياتهم ومعانيها في مختلف المراحل.
- حماية الأجيال القادمة: تُساعد الثقافة على نقل التقاليد والقيم للأجيال المقبلة، مما يضمن استمرارية التجارب الإنسانية.
- المسؤولية: يساعد الالتزام بالعادات والتقاليد على تشكيل فرد مسؤول اجتماعيًا وذاتيًا.
اكتساب الثقافة
تعد عملية اكتساب الثقافة مستمرة، حيث يتلقى الفرد مفاهيم ثقافية منذ صغره عبر مصادر متعددة مثل الأهل والمدرسة. بحلول سن الخامسة، يبدأ الفرد في اكتساب المفاهيم الأساسية التي يتم تطويرها تدريجيًا خلال فترة المراهقة من خلال التفاعل الاجتماعي. ومن أهم العوامل التي تساهم في اكتساب الثقافة: اللغة والتقليد. إذ إن اللغة ترمز لمفاهيم الثقافة وتساعد على فهمها. لذا، من يتحدث عدة لغات يدرك أن كل ثقافة تحتضن مفاهيم مرتبطة بها.
سيحصل الأفراد على الثقافة من خلال وعيهم، بملاحظة سلوكيات الآخرين وتفاعلهم الثقايفي. يمكن اكتساب ثقافات جديدة من خلال الانخراط في مجتمعات مختلفة، مما يتيح دمجها مع الثقافة الأصلية. تجدر الإشارة إلى أن اكتساب الثقافة قد يتم بشكل غير واع، مما قد يحسن من استجابة الأفراد في مواقف معينة، أو بالعكس، قد يسبب لهم صعوبات إذا تمت هذه العملية بطريقة خاطئة.
التغيّرات المؤثرة على الثقافة
تشهد الثقافات تغييرات نتيجة عدة عمليات، منها:
- النشر: يشير إلى انتشار القيم والأفكار الثقافية من مجتمع لآخر.
- التثاقف: يحدث عندما يتبنى مجتمع ما صفات ثقافية جديدة على حساب ثقافته الأصلية.
- التبادل الثقافي: يقوم على تأسيس ثقافة جديدة من خلال تفاعل شخص ما مع مجتمع ذو ثقافة مختلفة.
تأثير الجغرافيا على الثقافة
تلعب الجغرافيا دورًا مهمًا في تشكيل كيفية تطور الأفراد في مناطق معينة. إذ يتفاعل الأفراد مع بيئتهم ويتكيفون مع الظروف المحيطة بهم مما يشكل سلوكيات متعلقة بالمكان، سواء كانت الصحراء، المناطق القطبية أو الجبال. يرتبط هذا التفاعل بما يُعرف بالجغرافيا الثقافية، التي تشمل الهجرة والدين والاقتصاد.
فيديو تعريفي عن ماهية الثقافة
لمعرفة المزيد، يرجى مشاهدة الفيديو التالي.