رقصة الدبكة
يعتبر الرقص من أقدم وسائل التعبير في العالم، حيث يشكل لغة تواصل غير لفظية فريدة من نوعها تجمع بين التفاعلات الجسدية والروحية والفكرية والعاطفية. ومن بين أنواع الرقص المعروفة، تبرز رقصة الدبكة، التي تعد رقصة شعبية تقليدية تُمارس في فلسطين وسوريا والأردن ولبنان. يُشير المصطلح “دبكة” إلى خبط الأقدام على الأرض، وهي الحركة الأساسية التي تتسم بها هذه الرقصة. لقد بدأت رقصة الدبكة في الانتشار خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر، حين كانت الدول العربية تناضل من أجل استقلالها، مما جعلها تتشبث بمختلف أوجه تراثها وتحافظ عليه.
كيفية تعلم الدبكة
تتميز الدبكة بتنوع حركاتها وخطواتها، وتعتمد بشكل كبير على نوع الموسيقى المعزوفة. يتطلب إتقان هذه الرقصة الالتزام بأسسها الرئيسية. فيما يلي بعض النقاط الهامة:
الإيقاع
لتعلم الدبكة، يتعين عليك فهم النغمات الموسيقية المكونة لأغاني الدبكة، حيث يتطلب الرقص الالتزام بالإيقاع. تتكون غالبية أغاني الدبكة من إيقاع يتضمن نغمات مرتبة في تسلسل منتظم بين نغمات قوية وأخرى ضعيفة. على سبيل المثال، أغنية “دلعونا” تتميز بنمط إيقاعي معين كما يلي: دوم تكا تكا دوم دوم تكا تكا دوم دوم، حيث تمثل “دوم” نغمة قوية و”تكا” نغمة ضعيفة، وتكرر هذه النغمة اثنتي عشرة مرة.
الخطوات
تتم رقصة الدبكة في شكل دائرة، حيث يتجمع الراقصون بجوار بعضهم ويمسكون بأيدي بعضهم الآخر على شكل حلقة، مما يخلق تواصلًا وتفاعلًا بين الجميع. تختلف بعض أنواع الدبكة من حيث كيفية مسك الأيدي أو تداخل الأذرع، بينما يضع البعض الآخر أذرعهم حول الخصر لجعل الرقص أكثر تناغمًا. الخطوة الأساسية تشمل تحريك القدم اليسرى للأمام متجاوزةً القدم اليمنى، بحركة متكررة مرتين، تليها قفزة. تُضاف حركات إضافية إلى هذه الخطوات الأساسية في كل نوع من الدبكة. ويمتلك قائد الحلبة عادة وسيلة مثل منديل أو عصا لإدارة الرقصة. كما قد تتحرك الأكتاف لأعلى ولأسفل وفق نمط معين ومتكرر. وفي بعض الحالات، ينقسم الرجال عن النساء لتشكيل صفين متوازيين في تفاعل مستمر.
المبادئ الأساسية
لكي يتقن الراقص رقصة الدبكة، يجب عليه اتباع بعض المبادئ المهمة:
- التوقيت الزمني: معرفة المدة الزمنية لكل حركة والمدى الزمني بين الحركات.
- اتجاه الحركة: حركة مجموعة الراقصين تتجه في مسارات معينة قد تتغير أثناء الرقص.
- معرفة النمط: كل رقصة تمتلك نمطًا محددًا وتكرارًا خاصًا يعتمد على نوع الدبكة.
- العمل الجماعي: تُعتبر الدبكة رقصة جماعية تتطلب روح التعاون والانضباط بين المشاركين.
- الانسجام: يجب أن يدرك الراقص العلاقة المكانية بينه وبين الآخرين لتحقيق التناغم في الأداء.
ألحان الدبكة
تتميز ألحان الدبكة بعناصر شعرية تتكون من أربعة أبيات، حيث تحتوي الأغاني على إيقاع موسيقي نمطي. ومن بين أشهر الأغاني الدبكة: “دلعونا” و”يا زريف الطول”. من الأدوات الموسيقية المستخدمة في أداء الدبكة:
- الناي المزمار: أداة موسيقية تتكون من ست فتحات في الأمام وفتحة واحدة في الخلف.
- المجوز: يتكون من أنبوب مُزمار طويل يرتبط بمزمار آخر.
- الطبلة: تتلخص غالبًا في كونها ذات رقائق مزدوجة، بالإضافة إلى استخدام “الدربكة” التي تأتي على شكل كأس.
أنواع الدبكة
تتباين أنواع الدبكات باختلاف المناطق العربية، حيث تتميز كل دولة بنمطها الفريد في حركات الدبكة، ومن أبرز الأنواع:
الدبكة الفلسطينية
كانت الدبكة في فلسطين تترافق مع المناسبات مثل الأعراس، وبعد نكبة 1948، أصبحت الدبكة رمزًا من رموز النضال الوطني. ومن أنواع الدبكة الفلسطينية:
- الكرادية أو الطيارة: دبكة تُرقص على إيقاع سريع وتحتاج إلى مستويات عالية من اللياقة البدنية.
- دبكة الدلعونة: تُرقص بإيقاع متوسط وتعتبر تراثًا رغم إضافة مقاطع جديدة إلى كلماتها الأصلية.
- دبكة زريف الطول: تحتوي على كلمات غزلية تمجد الفتيات والشباب.
- دبكة الغزالة: تشتمل هذه الرقصة على ثلاث ضربات قوية بالقدم اليمنى.
- الدبكة الشمالية: تبدأ بعزف منفرد، يليها ديناميكية شبيهة بالتنظيم العسكري.
الدبكة السورية
تُعتبر الدبكة السورية رقصة ريفية، تختلف تسميتها وأسلوبها في كل منطقة. ومن بين أنواع الدبكات السورية المعروفة: الحورانية، الشامية، القلمونية، السلمونية، الحمويّة، الساحلية، والديرية، حيث تُرقص هذه الدبكات بطريقة تتكون من ست خطوات باستخدام القدم اليسرى.
الدبكة الأردنية
تُعد الدبكة الأردنية رقصة وطنية تعكس الهوية الثقافية للمملكة وتتميز بتنوع يصل إلى عشرين نوعًا، حيث تختلف الموسيقى واستخدام الأدوات الموسيقية مثل الشبابة، المجوز، الطبلة، القربة، والعود. ومن أبرز الأنواع:
- الدبكة الرمثاوية: تتكون من حلقة واحدة، وتضم راقصين خارجيين يرقصون بشكل منفرد.
- الدبكة الفرادية: تُخصّص للأعراس، وترقصها أم العريس أثناء الزفة.
- دبكة الدحّية: تحمل الطابع البدوي وتتميز بالتنسيق والتناغم أثناء التصفيق.
الدبكة العراقية
تُعرف الدبكة العراقية أيضًا باسم “الجوبي”، وهي منتشرة في شمال العراق والرمادي، الأنبار، الناصرية، السماوة، والنجف. تتميز بإيقاع موسيقي متحكم فيه بواسطة الطبلة، مما يمنحها لحنًا فريدًا.
الدبكة اللبنانية
بدأت الدبكة اللبنانية تكتسب وجودًا واضحًا بعد عام 1957، عندما أُقيم مهرجان الدبكة الشعبي في مدينة بعلبك. من بين أشهر الأنواع: الدلعونا، الشمالية، الهوارة، الروزانا، والميجانا، حيث تختلف طرق أداء كل منها بحسب الأغاني والألحان المستخدمة.