تعريف المقامة من حيث اللغة والمعنى الاصطلاحي

ما هو تعريف المقامة من منظور لغوي واصطلاحي؟

تتفاوت تعريفات المقامة بين الأدباء واللغويين وفقًا لجوانبها اللغوية والاصطلاحية. إليكم تفاصيل ذلك:

تعريف المقامة في اللغة

يُعتبر تعريف المقامة في اللغة غير واضح لدى بعض المحققين في هذا المجال. فمصدر كلمة “مقامة” هو “القيام”، الذي يُمثل عكس الجلوس كما يشير حسن عباس في مؤلفاته. وقد استخدم العرب هذا المصطلح للإشارة إلى موضع الوقوف، ثم توسعت دلالته ليشمل المجلس. ويؤكد ذلك ما جاء في “لسان العرب” لابن منظور، حيث قال: “والمَقَامَة، بِالْفَتْحِ: الْمَجْلِسُ وَالْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ”.

وظهر في شعر العديد من الشعراء الجاهليين استخدامات لهذا المصطلح، كما يتجلى في قول مالك بن حريم الهمداني:

وأقْبَلَ إخوانُ الصَفاءِ فأَوْضَعُوا

إِلَى كلِّ أَحْوَى فِي المَقامةِ أفرَعا

كما جاء جمع كلمة المقامة في شعر زهير بن أبي سُلمى:

وَفيهِم مَقاماتٌ حِسانٌ وُجوهُهُم

وَأَندِيَةٌ يَنتابُها القَولُ وَالفِعلُ

تعريف المقامة اصطلاحًا

تتعدد التعريفات الاصطلاحية للمقامة وفقًا لوجهات نظر المصنفين في هذا المجال. فيعتبر القلقشندي في “صبح الأعشى” أن سبب تسمية المقامة بهذا الاسم يعود إلى كونها تُقرأ في مجلس واحد يجتمع فيه عدد من الأشخاص. بينما يرى شوقي ضيف أنها تتعلق بتعليم الناشئة فنون البلاغة العربية بأسلوب سلس ومبسط.

اختار الهمذاني، الذي يُعتبر رائد المقامات، أن يجعل بطله شخصية متسول لجذب انتباه القارئ وتحفيزه على متابعة القراءة. وهو يعرف المقامة بأنها حديث موضوع بأسلوب بسيط لتعليم الأنواع المختلفة من الأساليب الأدبية في اللغة العربية.

مميزات فن المقامة

حدد بعض الدارسين خصائص تميز فن المقامة عن غيره من الفنون الأدبية، ومن هذه المميزات:

الحدث الواحد

ترتكز المقامة حول حدث واحد، كما يظهر في مقامات الحريري حيث يظهر البطل متنكرًا في كل مقامة، ويدور الحوار بينه وبين الراوي الذي يكشف عن هويته في نهايتها، مما يشترك في عناصر التعرف على البطل في ختام القصة.

كثافة الصنعة البديعية

تعتمد جمل المقامات على كثافة في استخدام الصنعة البديعية مثل الجناس والسجع والطباق والازدواج، مما يدخل ضمن نطاق التكلف والمبالغة. كل كاتب يأتي يُتوقع أن يتجاوز سابقيه، وكان الإغراب اللغوي في أسلوب الحريري أكثر تعقيدًا من أسلوب البديع الهمذاني.

اختلاف الأسلوب

يمتاز الأسلوب في المقامة الواحدة باختلافه بين السرد والوصف والحوار والمديح والهجاء، إلى جانب اختلافه بين الرقة واللين والقوة والجزالة.

وجود النظم

تجمع المقامات بين النثر الفني والمقتطفات الشعرية، مثل الرجز أو غيره، وقد لا تصل جودتها إلى مستوى الشعر الذي كتب في تلك الحقبة، لكنها تحتوي على نكت وغرائب من تأليف كتّاب المقامات.

موضوعات فن المقامة

تختلف موضوعات المقامة بين الهمذاني وغيرهم وفقًا للغرض منها، ولكنها تتفق في تنميق العبارة وتوفير فنون البديع. ومن بين الموضوعات المتنوعة:

  • الكَدْيَة

كانت الكدية من الأغراض الشائعة التي تطرق إليها كتّاب المقامات نظرًا لتأثيرها في جذب القارئ.

  • القص

تتضمن المقامات بعض العناصر القصصية مثل الحوارات والشخصيات والأحداث، ومع ذلك لا تُعد المقامة قصة كاملة.

  • الوعظ

كما ذكر سابقًا، فإن غرض المقامة هو التعليم، وكان الوعظ من الموضوعات المهمة التي تناولها كتّاب المقامات.

  • الوصف

كان الوصف في المقامات يشمل الأطعمة، المشروبات، البلدان والعادات، مما يُعكس الحقبة الزمنية التي كتبت فيها.

أركان المقامة

حدد الباحثون مجموعة من الخصائص التي تُعتبر كالأركان الأساسية لبناء المقامة، ويُرجع البعض ذلك إلى عشرة أركان، من بينها:

  • النكتة أو الملحة

وهي الفكرة الأساسية التي تدور حولها المقامة، وتتميز بالأصالة والجرأة وتحث على القيم الأخلاقية أو تُعرض بعض الأخلاق السيئة.

  • القصة

تختلف القصة في المقامات من واحدة لأخرى، مع الحفاظ على ثبات البطل والراوي.

  • اسم المقامة

يتغير اسم المقامة بناءً على الموضوع الغالب، حيث يمكن أن تحمل أسماء مدن مثل المقامة الشامية أو البغدادية، أو أسماء أخرى مثل المقامة الإبليسية أو الدينارية.

عناصر المقامة

تتضمن المقامة عناصر أساسية يجب توافرها، وهي:

  • الراوي الخيالي

يتمتع كل مجموعة من المقامات براوٍ واحد يُسرد من خلاله الأحداث داخل المجلس.

  • البطل

يسمى في كثير من الأحيان “المكدّي”، وهو شخصية خيالية تمتاز بالذكاء والدهاء واللسان الفصيح في الدين والأدب.

  • المكان

تدور أحداث المقامة في مجلس واحد دون الانتقال إلى أماكن أخرى.

أشهر كتّاب فن المقامة

يُعتبر عدد من الكتّاب بارعين في فن المقامة عبر التاريخ، من بينهم:

  • بديع الزمان الهمذاني

أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الهمذاني، هو من أصل عربي من عائلة استقرت في همذان بعد الفتوحات الإسلامية.

  • الحريري

أبو محمد القاسم الحريري، وُلد في ضاحية من ضواحي البصرة، ودرس العلوم اللغوية هناك، حيث عارض الهمذاني في مؤلفاته.

  • ابن شُهيد الأندلسي

أحمد بن عبد الملك بن شهيد، من وزراء الأندلس، وله نظم جيد ونثر بليغ، وقد تطرق إلى بعض المقامات في رسالته الشهيرة “التوابع والزوابع”.

في الختام، تُعد المقامة فنًا حديثًا في الأدب العربي يهدف إلى تعليم الناشئة فنون الكتابة والبلاغة وأساليب اللغة العربية، ومرت بمراحل من التطور والابتكار حتى أصبحت تُشبه القصة، مما جعل الناس يخلطون بينها وبين القصة الأدبية.

Scroll to Top