شرح معاني سورة الذاريات في القرآن الكريم

تفسير سورة الذاريات

تعد سورة الذاريات من السور المكية، وتحتوي على ستين آية. في ترتيبها في المصحف الشريف، تأتي هذه السورة بعد سورة الأحقاف. وتتميز السورة بمقدمة تقسم فيها الله -تعالى- ببعض مخلوقاته، وتتناول الحديث عن المتقين وما أعدّه الله -سبحانه وتعالى- لهم من جزاء مقابل أعمالهم الصالحة.

بالإضافة إلى ذلك، تروي السورة قصص أقوام سبقونا مثل قوم نوح، وقوم لوط، وقوم إبراهيم -عليهم السلام- لتكون عبرة وعظة. كما توضح السورة طريق المتقين وما ينتظرهم من جزاء، وشأن الضالين وعاقبة سلوكهم، وتختتم ببيان رحمة الله -تعالى- وعظمة قدرته. وفيما يلي تفاصيل هذه الموضوعات وتفسير الآيات:

قسم الله بوقوع الحساب

تفتتح السورة بقسم من الله -تعالى- بمخلوقاته، بدءًا من الآية الأولى وحتى الآية السادسة. فيقسم الله -تعالى- بالذاريات، والتي تعني الرياح، ثم بالحاملات، وهي السحب التي تحمل الأمطار، وبعدها يُقسم بالجاريات، أي السفن، وأخيرًا بالمقسّمات، وهي الملائكة التي تدير شؤون العباد، بما في ذلك الأمطار والأرزاق.

من خلال قسم الله -تعالى- بهذه المخلوقات العظيمة، يظهر معنى جواب القسم في الآية السادسة عندما يقول -تعالى-: (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ). ويستفيد الناظر من هذا القسم بنبأ صدق وواقع وعد الله بالآخرة، كما أن الجزاء على الأعمال متحقق، لذا يجب على الناس وبخاصة المشركين في مكة أن يتفكروا في هذا الأمر. تذكّر السورة أن أهل مكة كما جاءهم الشرفاء والأدلة، كذلك حضّرتهم على أهمية حرصهم على الإيمان بالله -تعالى- والتصديق بنبيه محمد.

وصف المتقين وجزاؤهم

تسلط سورة الذاريات الضوء على المتقين وعاقبتهم من الآية الخامسة عشر حتى الآية الثالثة والعشرون، إذ يبدأ الحديث عن المتقين بعد التطرق للمشركين ومآلهم. ويعكس هذا المنهج القرآني الترهيب والترغيب، موجهًا الإنسان لاقتفاء الحق والابتعاد عن الضلال.

يخبرنا الله -تعالى- أن المتقين سينعمون بجنات واسعة، ويأخذون من النعيم ما يشتهون، وهذا هو جزاء حسناتهم في الحياة الدنيا، حيث تشير الآيات إلى عدة صنوف من الإحسان:

  • الاهتمام بقيام الليل.
  • التسبيح في وقت السحر.
  • التصدق بالمال للمحتاجين، سواء لمن يسأل أو للمحروم الذي لا يطلب.

بشرى سيدنا إبراهيم

تناقش الآيات من (24-30) مجيء ملائكة كرام لسيدنا إبراهيم -عليه السلام- حيث استقبلهم بكرم وقدم لهم عجلًا سمينًا، ولكنهم امتنعوا عن الأكل، مما أثار قلق إبراهيم -عليه السلام-. فأخبرته الملائكة أنهم جاؤوا بالبشرى بأنه سيرزق بصبي حكيم.

تأثرت زوجة إبراهيم -عليه السلام- بشدة عندما سمعت بهذا الخبر، فضربت أصابعها على خدها من الدهشة، معبرةً عن صعوبة إمكانية الحمل وهي عاقر. لكن الملائكة أجابوها بأن هذا ليس بعجيب، فكل شيء بيد الله -عز وجل- الذي لا يعجزه شيء.

هلاك قوم لوط

زار الملائكة الكرام سيدنا لوط -عليه السلام-، حيث لم يجدوا في قريته سوى بيت واحد من المسلمين وهو لوط وابنتاه. ولم يعرف لوط -عليه السلام- هويتهم، ولكنهم أخبروه برسالتهم وأنهم جاءوا لإنقاذه ومن معه من المؤمنين.

وجهتهم بأن ينطلقوا في ظلمة الليل دون أن يلتفت أحد منهم، ماعدا امرأة لوط -عليه السلام- التي كتبت عليها الهلاك وكانت من الظالمين. وعندما خرج لوط وابنتاه، قلب الله بلادهم، وأرسل عليهم عاصفة رعدية بحجارة مسمومة، لتكون عبرة للمعتبرين.

عقاب الأقوام المكذبة بالرسل

تواصل سورة الذاريات تحذير الناس والمشركين من الاستمرار في شركهم، مسلطًة الضوء على أمم سابقة كذبت الرسل ونالت جزاء عاقبتها. ومن هؤلاء، فرعون وجنوده الذين بعد ما أُتي بالبيّنة الواضحة، تولوا عن الحق، فأغرقهم الله.

بعد ذكر هلاك فرعون، تبرز الآيات هلاك قوم عاد والذين قضوا بالريح العاتية التي لا خير فيها، وأخيرا قوم ثمود الذين عاقبهم الله بالصاعقة، وكذلك قوم نوح الذين أغرقهم بسبب عصيانهم.

مظاهر قدرة الله تعالى

بعد استعراض مصائر الأقوام المكذّبين، يُظهر الله -سبحانه وتعالى- بعض الأدلة الظاهرة على قدرته، مُحذرًا العالمين والمشركين في مكة بشكل خاص. فإذا أرادوا النجاة من العذاب، فلا بد لهم من الإيمان بوجود الله وحده وعبادته، فإن أصروا على موقفهم، سيقعون في عذابٍ محتم.

Scroll to Top