تفسير الآية الكريمة (ولمن خاف مقام ربه جنتان)
بعدما وصف الله -عز وجل- حال المجرمين يوم القيامة في قوله: (هَـذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) يسلط الضوء على أحوال المؤمنين الذين اتقوا ربهم وخشوه، حيث يقول: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ). إن المؤمنين الذين اتبعوا سبل الخوف من الله في هذه الحياة سيُكرّمهم الله -تعالى- يوم القيامة بجنات فاخرة تكريمًا لجهودهم في الدنيا الفانية.
المقصود بكلمة (جَنَّتَانِ) هو جناتٌ كريمة، حيث يستخدم الله تعالى أسلوب التثنية للدلالة على الكثرة، وهذا يتماشى مع السياق البلاغي للآيات الكريمة. على سبيل المثال، استخدام القرآن لكلمة (كَرَتَيْنِ) يشير إلى مرات عديدة وليس عددًا محددًا.
ويمكن أن تشير (جَنَّتَانِ) إلى جنتين فعليتين، واحدة عن اليمين والأخرى عن الشمال، حيث يتوسط المؤمن بينهما. وفي جميع الأحوال، يبقى الكرم الإلهي تجاه المؤمن المقرب جليلًا ووفيرًا.
معنى الخوف في قوله (ولمن خاف مقام ربه جنتان)
الخوف المذكور في هذه الآية يشير إلى الخوف من مقام الله -تعالى-. ويحتمل لفظ “مقام” معنيين؛ الأول هو مقام الله بذاته، حيث يخشى المؤمن من عقابه وغضبه الشديد، أو أنه يشير إلى مقام المؤمن في يوم القيامة أثناء نصب الموازين وتصطف الملائكة ويتجلى يوم الحساب.
في ذلك اليوم، يكون الناس في حالة مهيبة من الرهبة والذهول، كما قال الله -عز وجل-: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ). وكلا المعنيين لكلمة مقام قابل للتفسير، لكن الخوف يبقى محمودًا ما لم يفض بالإنسان إلى اليأس من رحمة الله.
حينها يتحول الخوف من حالة محمودة إلى مذمومة، إذ يتعين على قلب المؤمن أن يوازن بين الخوف والرجاء، بحيث لا يغلب أحدهما الآخر. والخوف المستحب هو ذلك الذي يحث صاحبه على كثرة الأعمال الصالحة والابتعاد عن المعاصي كنوع من التقوى.
أسباب نزول الآية (ولمن خاف مقام ربه جنتان)
تعددت الآراء حول سبب نزول هذه الآية الكريمة، حيث أشار بعض العلماء إلى أنها نزلت شاملة لمَن خاف الله -تعالى- كما ذكر ابن كثير -رحمه الله- من قول ابن عباس -رضي الله عنه-. وذكر في بعض الروايات أن هذه الآية نزلت في الصحابي الجليل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عندما تناول لبنًا، وعند علمه بأنه من مصدر غير مشروع، استقاءه خشيًة من الله، أو لأنه تذكر يوم القيامة وبدأ يبكي متمنيًا لو لم يكن موجودًا.
كما ذُكر إنها نزلت في الرجل الذي وصى بنيه بأن يحرقوه بعد موته ويرموا برماده في أماكن شتى، خوفًا من أن يجمعه الله ليعاقبه. فغفر الله له بسبب هذا الخوف وأدخله الجنة، لكن معظم هذه الروايات لم تُثبت بصورة قاطعة، وبالتالي تبقى الآية متعلقة بمعناها العام كما تم توضيحه.