أهمية الشكر
لا شك أن درجات الدين تتفاوت فيما بينها، ولكن تعتبر منزلة الشكر من أعظم هذه الدرجات. ويرجع ذلك إلى ما تتضمنه من تامة الانقياد والتسليم. حيث ترفع هذه المنزلة العبد المؤمن إلى أعلى مراتب العبودية والطاعة لله تعالى. وفي مختلف الظروف، يظل المؤمن متأرجحًا بين مقدورات الله؛ إذ قد يتعرض لمواقف مفرحة أو ابتلاءات صعبة.
في كلا هذه الأحوال، يعد الشكر بمثابة العلاج الذي يساعد المؤمن على مواجهة المصائب والسرور، فهو يعد علامة واضحة على ومتانة إيمان العبد، حيث يحافظ على ثباته في السراء والضراء. من الجدير بالذكر أن معرفة الفوائد التي يحصدها المؤمن من هذه الفضيلة تدفعه إلى التمسك بها، وهو ما سنوضحه من خلال تفسير الآية التالية.
تفسير الآية: لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
ذُكرت هذه الآية الكريمة في سورة إبراهيم، حيث قال الله تعالى: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرْتُم لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُم إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). وقد تنوعت آراء المفسرين حول تفسير هذه الآية، ومنها:
- أشار بعض المفسرين إلى أن معنى الآية هو: (لئن شكرتم لأزيدنكم)، أي إذا أظهرتم الشكر على نعمتي عليكم، فسأزيدكم منها. وأوضح الشوكاني أن هذه الآية تشمل جميع أشكال النعم، حيث من يشكر الله تعالى على الرزق يُزيده الله في رزقه، ومن لم يشكر الله على الطاعة يُزاد من حاجته.
- أفاد بعض المفسرين أن الزيادة الناتجة عن شكر النعمة تعود لفضل الله تعالى، حيث إن شكر المنعم واجبٌ ولا يكون له مقابل؛ فإن العطاء يكون فضلاً من الله.
- ولدى بعض المفسرين، المعنى هو أنه إذا شكرتم أصناف إنعامي، سأزيدكم بإظهار إكرامي ثم إلى إظهار أقدامي.
- فسّر البعض أن الشكر الذي يظهر من القلب والجوارح واللسان سيكون نتيجته الخير في الدنيا والثواب في الآخرة، وقد وردت هذه الآية في سياق حديث موسى مع بني إسرائيل، نظراً لما نالوه من نعم عديد، مثل إنقاذهم من الغرق وإهلاك فرعون، وانتقالهم من ضيق الضلالة إلى رحاب الإيمان. ورغم أن الخطاب موجه لبني إسرائيل، إلا أنه يحمل معاني عامة تشمل جميع الناس، لأن العبرة في عموم المعنى وليس خصوص السبب.
بناءً على هذه الأقوال، يتضح أن الشكر يحفز المؤمن على المزيد من الأعمال الصالحة، والابتعاد عن المعاصي والشهوات، حيث إن الاتباع لأوامر الله برهان واضح على شكر نعمه، ومن أهم أركان الشكر السعي لنيل رضا المنعم من خلال الالتزام بأوامر الله.
ما تشير إليه الآية الكريمة
تشير الآية المباركة إلى:
- أن الشكر يُعتبر وسيلة لحفظ النعم. فعندما يشكر الإنسان ما أنعم الله به عليه، فإنه يقيّد ويحفظ هذه النعم.
- أن الشكر يزيد من النعم، سواء في النعمة نفسها أو في نعم أخرى، فالشكر هو قيد للموجود وصيد للمفقود.
- أن الزيادة من الله تعالى هي من فضله وكرمه، ولا تأتي في مقابل.
- أن تحقق الزيادة من الله يتوقف على أي نوع من أركان الشكر، سواءً كان ذلك بالقلب، أو اللسان، أو عن طريق الجوارح.