تفسير مبسط لسورة البينة في القرآن الكريم

تفسير سورة البينة

سنستعرض فيما يلي أهم المعلومات المتعلقة بتفسير سورة البينة:

البينة التي طلبها المشركون وأهل الكتاب للإيمان

استمر المشركون والكفار في تكذيب نبوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأصروا على عدم إيمانهم حتى تظهر لهم بينة تشهد على صدقه. وقد وردت في الكتب السماوية السابقة وعدٌ بأن يقرأ عليهم رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- نصوصًا طاهرة خالية من الباطل والتحريف، التي تحتوي على آيات وأحكام شرعية مستقيمة وقويمة. قال تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ* رَسُولٌ مِّنَ اللَّـهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً* فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ).

إعراض المشركين وأهل الكتاب عن الإيمان رغم وجود البينة

لم يختلف أهل الكتاب، اليهود والنصارى، حول كون محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الرسول الحق إلا بعدما تأكدوا من أنه النبي الذي نصت عليه التوراة والإنجيل. ومع ذلك، بعد بعثته، أنكر بعضهم نبوته وتفرقوا في مواقفهم، وقد أوصيوا في الشرائع بالتوحيد وعبادة الله وحده، مع الابتعاد عن الشرك. وقد أُمروا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذا هو الطريق المستقيم، وهو الإسلام. قال تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).

تفسير آيات ثواب المؤمنين وعقاب الكافرين

تناولت السورة الكريمة جزاء المؤمنين على إيمانهم وأعمالهم، وعقاب الكافرين على كفرهم، وسنوضح ذلك كما يلي:

  • عقاب الكافرين: إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ستعاقبهم نار جهنم، حيث سيخلدون فيها، وهم من أسوأ المخلوقات. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَـئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ).
  • ثواب المؤمنين: وعد الله المؤمنين الذين آمنوا برسوله وأطاعوا أوامره بجنات النعيم، تجري من تحتها الأنهار، حيث سيخلدون فيها، وقد رضي الله عنهم وأقبل أعمالهم الصالحة، ورضوا عنه بما أعدَّ لهم من كرامات. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ* جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ).

نبذة عن سورة البينة

تُعتبر سورة البينة من السور المدنية القصيرة، وهي السورة الثامنة والتسعين في ترتيب المصحف العثماني، تحتوي على ثماني آيات، وتقع في الربع السابع، الحزب الستين، الجزء الثلاثين، وقد نزلت بعدها سورة الطلاق. بدأت السورة بأسلوب نفي، حيث قال تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا).

تعددت أسماء هذه السورة، ومن ضمنها: سورة لم يكن، المنفكين، القيامة، البريّة، البيّنة، وسُميت بسورة البينة لتكرار هذا اللفظ في الآية الأولى منها، والتي يقول فيها الله -تبارك وتعالى-: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ).

نزلت هذه السورة في حق أبي بن كعب رضي الله عنه، حيث سمعه الصحابي عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقرأ القرآن بأسلوب لم يعرفه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنكر عليه. وبعد جدل حول صحة القراءة، ذهبا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليحكم بينهما، حيث أقرَّ النبي القراءتين وأخبرهما أن كليهما على صواب، مما أحدث شكوكًا في قلب أبيّ.

ولم يرد الله -تعالى- لأبيّ بن كعب -رضي الله عنه- أن يبقى في شكوكه، لأنه كان رجلاً تقيًا، لذا هيأ الله له ما يزيل هذا الشك ويزوده بإيمان إضافي. وقد روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي: “إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ”، فقال أبي: “آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟”، فأجابه النبي: “اللَّهُ سَمَّاكَ لي”، مما جعل أُبيّ يبكي. ومن هذا الحديث يتبين فضل هذه السورة، حيث تضمنت عدة أمور مهمة، وهي:

  • توضيح موقف أهل الكتاب اليهود والنصارى والمشركين تجاه رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
  • تحديد الهدف الأساسي من الدين والإيمان، والذي يتمثل في إخلاص العبادة لله -عز وجل-.
  • شرح مصير الكفار المجردين والأشقياء الذين هم من شر البرية، ومصير المؤمنين الأتقياء الذين هم خير البرية.

لقد كانت بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات أهمية كبيرة؛ إذ تهدف إلى تحويل الذين كفروا عن الضلال والاختلاف. فبعضهم آمن بهذه البعثة، بينما أنكرها آخرون استكبارًا وعنادًا. الذين كفروا بعد العلم كانوا من شر البرية، أما المؤمنون الذين عملوا الصالحات فهم خير البرية، ويتفاوت جزاء كل منهم بناءً على أعماله واستجابته لدعوة الحق.

Scroll to Top