تفسير حديث “تحرم النار على كل هين لين”
تتضمن الأحاديث النبوية الشريفة الكثير من الحكمة والمواعظ الأخلاقية، ومن أبرزها الحديث الذي يُعرف بـ “تحرم النار على كل هين لين”. وإليكم النص:
- عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ”.
- توجد رواية أخرى حيث يُقال: “إنما يُحَرَّمُ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لِينٍ قَرِيبٍ سَهْلٍ”.
- يبدأ الحديث بسؤال يُعبر عن التشويق وليس للاستفهام، مما يُشجع المستمعين على التحلي بالصفات الجميلة التي تقربهم من الجنة.
- سعى محمد صلى الله عليه وسلم لتشجيع الناس على الاتجاه نحو الجنة، مما يحثهم على العمل بجد لتحقيق ذلك.
- هذا الأسلوب في الحديث يشبه ما ورد عن الله -تعالى-: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ”.
القيم المستفادة من حديث “تحرم النار على كل هين لين”
يتضمن الحديث السابق بعض القيم والفوائد التي يمكن أن يستخرجها العبد، كونه حديثًا يحمل بُعدًا أخلاقيًا. إليكم بعض هذه القيم:
التحلي باللين
- التحلي بصفات الهدوء واللطف يُعتبر أمرًا محمودًا. فاللين يُعبر عن الاستعداد للتعاون وسهولة التعامل مع الآخرين، دون تجريح أو فظاظة.
التعامل برفق
- إن اللين صفة مطلوبة، حيث تشير إلى تجنب الخشونة والابتعاد عن المعاملات غير اللائقة.
البساطة في العلاقات
- تتطلب السهولة توفّر الانفتاح والود بين الإنسان وربه، والالتزام بالطاعة وعدم عصيان الأوامر.
القرب من الآخرين
- يجب على الإنسان أن يكون قريبًا من الآخرين من خلال مساعدتهم وتقديم الدعم لهم.
- كما يظهر الحديث الجزاء المترتب على مَن يتسم بهذه الصفات، حيث وعدهم بالجنة ومنعهم عن النار.
تحقق صحة حديث “تحرم على النار كل هين لين”
سنستعرض هنا مدى صحة هذا الحديث النبوي:
- يُعتبر حديث “تحرم على النار كل هين لين سهل” حديثًا صحيحًا.
- أورده أبو هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حُرِّمَ على النَّارِ كلُّ هيِّنٍ، لَيِّنٍ، سهلٍ، قريبٍ منَ النَّاسِ”.
- قام الشيخ الألباني بتصحيح هذا الحديث ضمن صحيح الجامع.
- عُثر على هذا الحديث أيضًا في مؤلفات ابن الوزير اليماني، حيث يُعتبر إسناده صحيحًا.
- ذكر أحمد شاكر في مسند أن إسناد الحديث صحيح.
- كما أوضح شعيب الأرناؤوط في تخريج العواصم والقواسم أنه حديث صحيح بشواهده.
- وفي تخريج المسند، اعتبره شعيب الأرناؤوط حديثًا حسنًا أيضًا بشواهده.
أولئك الذين تحرم عليهم النار
ذُكرت في أحاديث نبوية أخرى أمثلة على الأشخاص الذين تُحرم عليهم النار، منهم:
- المؤمن بالله والمحب له، والشخص الذي يكره العودة إلى الكفر بعد الإيمان.
- الذي يحافظ على الصلوات الخمس ويدرك أهميتها.
- الشخص الذي يغبر قدماه في سبيل الله.
- الهين اللين السهل.
- من يبكي خشية من الله.
- الذي يسهر في سبيل الله.
- من يقول لا إله إلا الله مخلصًا بها من قلبه.
تخريج حديث “تحرم النار على كل هين لين”
- أخرجه الترمذي، حيث اعتبر الحديث من الأحاديث الحسنة، وصرح بأنه غريب، وكان ذلك في أبواب صفة القيامة والرقائق والورع.
- أخرجه ابن حبان؛ حيث أشار إلى أن الإنسان إذا كان هينًا لينًا قريبًا سهلًا يمكن أن ينجو من النار يوم القيامة.
- كما أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط؛ حيث جاء أيضًا تحت نفس العنوان.
- صححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.