تعريف السنة النبوية
تشير السنة في اللغة والاصطلاح إلى المعاني التالية:
- السنة في اللغة
تعني الطريقة والسيرة، سواء كانت حسنة أو قبيحة، ومثال على ذلك قوله تعالى: (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا). وقد استخدمت كلمة السنة في العصور الأولى للإشارة إلى نهج الخلفاء الراشدين والطريقة التي اتبعتها النبي -عليه الصلاة والسلام-.
- السنة في الاصطلاح
تتعدد معاني السنة بحسب الغرض من استخدامها، ويمكن توضيح ذلك كما يلي:
السنة عند الأصوليين تعني كل ما صدر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ويصلح ليكون دليلاً شرعياً، سواء كان قولاً، فعلًا، أو تقريرًا.
- السنة عند المحدثين
تشمل جميع ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أقوال وأفعال وتقارير وصفات خلقية وأخلاقية وسيرة، سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها، حيث يعتبر ما حدث قبل النبوة دليلاً على نبوته.
- السنة عند الفقهاء
تشير إلى الأعمال التي تُعتبر نافلة أو مندوبة، أي غير واجبة. كما تُستخدم للإشارة إلى القربات التي حافظ النبي -عليه الصلاة والسلام- على أدائها، مثل صلاة الوتر. أيضًا عند الفقهاء يتم استخدامها في سياق الطلاق، كقولهم “طلاق السنة”، مما يعني الطلاق المشروع. وتشمل السنة وفق الفقهاء الأحكام الخمسة: فرض، سنة، حرام، مكروه، ومباح، حيث يُشير بعضهم إلى أنها تعني ما يُقابل الفرض، كما في “فروض الوضوء وسُننه”.
من الملاحظ أن تعريف الأصوليين لا يشمل أقوال وأفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- التي تتعلق بشؤون الدنيا، بينما تعريف المحدثين هو أكثر اتساعًا وشمولاً، حيث يتضمن كل ما صدر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
المقصود بالأقوال في تعريف العلماء هو ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما الأفعال فهي أفعاله -عليه الصلاة والسلام-، مثل الصلاة والشهادة واليمين في المسائل المالية.
أما التقارير فهي ما يصدر عن الصحابة من أقوال أو أفعال والتي علمها النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم وسكت عنها، أو وافقهم عليها، أو لم يعترض عليها، كما حدث عندما أكلوا لحم الضب أمامه دون إنكار.
بالنسبة للوصف الخَلقي، فهو ما جاء في وصف خلقته، كحديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بأنه كان أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا. وأما الوصف الأخلاقي، فيشمل الصفات والأخلاق التي عُرف بها النبي، كقوله أنس بن مالك -رضي الله عنه-: “لم يكن النبي -عليه الصلاة والسلام- سبابًا ولا فاحشًا ولا لعانًا”.
حجّية السنة النبوية
قد اعتاد المسلمون قديمًا وحديثًا على اعتبار السنة واحدة من الأصول الإسلامية التي تشير إلى الأحكام الشرعية. أما الذين أنكروا السنة ولم يعتبروا بها حجة فقد انحرفوا عن الحقيقة، مثل القُرآنيين الذين يعتمدون فقط على القرآن دون الأخذ بالسنة.
ورد عن الإمام الشاطبي أنهم “قوم لا خلاق لهم”، وقد واجهتهم الأئمة الأربعة وردوا عليهم، حيث تمسكوا بظواهر الآيات وبعض الأحاديث الضعيفة. في المقابل، ظهر طرف آخر يُعرف بالحديثيين، الذين يأخذون من السنة دون النظر إلى القرآن الكريم، والأصل هو المساواة بينهما.
توضح السنة ما يشتمل عليه القرآن الكريم، حيث توضح المجمل وتخصص العام وتقيّد المطلق. لذا فإن حجية السنة ثابتة بالكتاب وإجماع الصحابة والعقل. ومن الأدلة التي تثبت حجية السنة:
- أدلة السنة النبوية في القرآن
تظهر في الآيات التي تحث على طاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، كقوله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
وجميع الأدلة التي تثبت حجية السنة تؤكد على وجوب الإيمان بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وطاعته والابتعاد عن ما نهى عنه، حيث يقول تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). ويرى ابن القيم -رحمه الله- أن هذه الآية تنفي الإيمان عن العباد حتى يتحاكموا إلى الرسول في ما شجر بينهم.
- أدلة السنة النبوية في سنة النبي والمعقول
من الأمور التي تؤكد مشروعية السنة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حث الصحابة الكرام على التمسك بالسنة مع القرآن الكريم، فعنه قال: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسَّكتم بهما، كتاب الله وسنة نبيه).
وهذا دليل على أن من تمسك بالسنة لن يضل. كما أثبتت حجيتها بإجماع الصحابة الكرام وأفعالهم، فكان الصحابة يعتمدون عليها لتحديد الأحكام. ومثال ذلك عندما جاءت فاطمة والعباس -رضي الله عنهما- إلى أبي بكر -رضي الله عنه- ليطلبوا ميراثهم من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأخبرهم بأنه سمع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يقول: (لا نُورَثُ ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ)، وبالتالي هذا الأمر كان مرتبطاً بالسنة.
أيضاً قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ألَا إنِّي أُوتيتُ القُرآنَ ومِثلَه معه)، حيث تشير كلمة “أُوتيت” إلى أن الله -تعالى- أعطاه شيئاً مضافاً إلى القرآن الذي جاء به، ولم يكن سوى السنة النبوية، وهذا يعد دليلاً من باب العقل.
- أدلة السنة النبوية بإجماع الصحابة
يتضح من إجماع الصحابة مثال الجدّة التي جاءت إلى أبي بكر -رضي الله عنه- تطلب نصيبها من الميراث. وقد قال لها: “لا أجد لك في كتاب الله من شيء”، لكن شهد اثنان من الصحابة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قسم لها السدس، لذا فإن الحكم الثابت بالسنة كالحكم الثابت بالقرآن الكريم، إلا في ما يصدر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بطبيعته وخبرته الإنسانية وما كان خاصًا به.
مكانة السنة النبوية في التشريع
أجمع العلماء على أن السنة تعتبر المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.
وما يثبت العمل بها مع القرآن الكريم هو أن قول النبي -عليه الصلاة والسلام- وفعله وحي من الله -تعالى-، كما جاء في قوله: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِM.
فقد نسبت الآية الأفعال إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- دون تحديدها بكتاب أو سنة، مما يدل على أن أي أمر يحرّم بالقرآن الكريم سيُحرم أيضًا بالسنة. إذ يُعتبر القرآن أعلى منزلة من السنة، ولكن كليهما يُعتمد عليهما بنفس القدر في مسائل الدين والتشريع.
وذكر العلماء أن العلاقة بين القرآن الكريم والسنة هي علاقة تكاملية، حيث تُعد السنة بيانًا لألفاظ القرآن ونظامه، وتفسيرًا لمجمله أو عامه أو مطلقه. فكلاهما وحي من الله -تعالى-، كما ذكر في قوله: (وَأَنزَلنا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ). وما يدل على اتباع السنة والوحي هو قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً* وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)، فكما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- مأمورًا باتباع الوحي، يجب على المؤمنين اتباعه كذلك.