تاريخ الشعبوية
يعود تاريخ ظهور مفهوم الشعبوية (بالإنجليزية: Populism) إلى نهاية القرن التاسع عشر، وتحديدًا عام 1892 في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نشأت كحركة سياسية فكرية تدافع عن حقوق المجتمع وتعتبره مصدر السلطات. تتعارض الشعبوية مع الأحزاب التي تدعو للثورة والنضال، مثل الأحزاب العمالية والاشتراكية، حيث تسعى الأحزاب الشعبوية إلى تمثيل أغلبية الشعب كحلقة وصل بديلة بين الحكومة والمواطنين، مع رفضها الاعتراف بأطراف إضافية.
من الصعب تقييم الشعبوية بشكل دقيق، نظرًا لتبنيها آراء تدعو إلى الديمقراطية، كالمطالبة بالتعديلات الدستورية والإصلاح وإجراء استفتاءات شعبية، في المقابل، تُظهر أيضًا ميولًا للانغلاق ورفض الرأي الآخر. تضم هذه الحركة عناصر من الفكرين اليميني المتشدد واليساري المنفتح. في العصر الحديث، أصبحت الشعبوية واحدة من مظاهر الأنظمة الاستبدادية التي تروج لشخص الزعيم كرمز لإرادة الشعب، كما يتجلى ذلك في الحزب النازي بقيادة هتلر في ألمانيا.
ظهرت الحركة الشعبوية في بداياتها في كل من روسيا والولايات المتحدة كحركة إصلاحية، قادها الطبقة الوسطى من المزارعين والعمال في المناجم، حيث انضم العديد من الفئات للمطالبة بتأسيس نقابات عمالية وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية وإعادة توزيع الثروة بإنصاف. ومع ذلك، أدت الهيمنة اليمينية المتشددة على هذه الأحزاب إلى ظهور أنظمة استبدادية مثل الحزب الشيوعي والأنظمة الفاشية والنازية، والتي انهارت بعد الحرب العالمية الثانية.
الشعبوية والديمقراطية
يرتبط مصطلح الشعبوية، الذي يستند إلى مفهوم “الشعب”، بالنظام الديمقراطي بوصفه حكومة من الشعب ولصالحه، حيث يتشاركان في مبادئ أساسية تضع الشعب كمصدر للسلطات. ومع ذلك، أظهرت التطورات اللاحقة أن الشعبوية تقتصر على تطبيق الديمقراطية داخل الحزب الحاكم، وتنقصها الرغبة في سن قوانين تعزز الديمقراطية. أدت هذه من جهة إلى انهيار أنظمة ديمقراطية، كما شهدته فنزويلا وتايلاند بفعل سيطرة الحكومات الشعبوية.
ظهر الشعبوية في العصر الحديث
لقد أظهرت الحركات الشعبوية نماذج ناجحة في تاريخها كنظام سياسي يسعى لإصلاح المجتمع، وقاد بعض الشخصيات السياسية مثل تشرشل ومانديلا ومارتن لوثر كينج هذا الاتجاه. بيد أن تزايد خطاب الأفكار المتطرفة أدى إلى تقييد حرية الرأي والصحافة، مما أحدث انقسامًا في المجتمع إلى شتى الأطراف. في وقتنا الحاضر، أسفرت الأزمات الاقتصادية التي نتجت عن الركود العالمي وزيادة معدلات الفقر والبطالة والديون عن بروز الأحزاب الشعبوية بصفتها أدوات إصلاحية، مما ساعدها على تعزيز هيمنتها.
أنواع الحركات الشعبوية
لعبت الحركات والأنظمة الشعبوية دورًا كبيرًا في مجالات متعددة، ومن أبرزها:
الشعبوية الثقافية
تدعي الحركات الشعبوية أن الانتماء الحقيقي للدولة والسيادة يقتصر على سكان الدولة الأصليين أو أعضاء الحزب الحاكم، وتعتبر أن الفئات الأخرى مثل الأقليات الدينية والعرقية والمهاجرين واللاجئين تشكل تهديدًا للسلم الاجتماعي وتسعى لتغيير العادات والتقاليد المعمول بها. يُعتبر هذا النوع من الشعبوية الأكثر شيوعًا في الوقت الراهن.
الشعبوية الاقتصادية
تروج الحركات الشعبوية الاقتصادية والاجتماعية لنفسها كأعداء للنظام الرأسمالي في البلاد، مع معارضة كبار الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين. تتكون القيادة فيها من الطبقة العاملة التي تسعى جاهدة لتحقيق العدالة الاجتماعية.