تحليل البنية النحوية لسورة الكوثر

تحليل نحوي لسورة الكوثر

سورة الكوثر هي سورة مكية، تتألف من ثلاث آيات، تفيض كل آية منها بمعاني لغوية وبلاغية عميقة. ومن هنا تبرز أهمية التحليل النحوي للآيات القرآنية، والتي سيتم تناولها بالتفصيل في السطور التالية من خلال آيات سورة الكوثر.

الآية الأولى من سورة الكوثر

ورد في الآية الأولى من سورة الكوثر قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)، وهذه الجملة تتكون من حرف “إنّ” واسمها وخبرها. اسم “إنّ” هو الضمير المتصل (نا)، وخبرها هو الجملة الفعلية (أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ). وفيما يلي تفصيل هذا الإعراب:

  • إعراب (إنَّا)

إن أصل كلمة (إنّا) هو (إننا) والتي تحتوي على ثلاث نونات؛ النون الساكنة والنون المتحركة في حرف النصب (إنَّ)، ونون الجماعة في (نا). وقد تم حذف النون المتحركة الثانية لتقارب الأمثال، والدليل على صحة هذا الحذف هو إمكانية قولنا: (إن زيد قائم).

إذا كانت النون الأولى هي المحذوفة، لكانت النون الثانية المتحركة هي الباقية، لكن النون المتبقية هي النون الساكنة. وجب التنويه على أنه غير جائز حذف النون الثالثة في (نا)، لأنها جزء من الاسم. وهذا يمثل إحدى المسائل الإعرابية المعقدة في سورة الكوثر. أما “إنّ” فهي حرف مشبه بالفعل مبني لا محل له من الإعراب، والضمير (نا) يُعرب على أنه ضمير متصل مبني في محل نصب اسم (إنّ).

  • إعراب (أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)

الجملة الفعلية هي خبر (إنّ)، حيث يُعرب الفعل (أعطى) على أنه فعل ماضٍ مبني على السكون لتصاقه بضمير الجماعة (نا)، و(نا) ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، بينما الكاف في نهاية الكلمة (ك) هي ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به أول للفعل (أعطى).

أما (الْكَوْثَرَ)، فتُعرب على أنها مفعول به ثانٍ للفعل (أعطى) منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، والجملة الفعلية (أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) في محل رفع خبر (إنّ).

الآية الثانية من سورة الكوثر

قال الله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، تفسر هذه الآية أنه كما أعطيناك الكوثر، استمر في أداء صلواتك المفروضة والنافلة بإخلاص، وارضخ لأمر النحر وأداء نسكك. وإعراب هذه الآية كما يلي:

  • إعراب (فَصَلِّ)

حرف “الفاء” هو حرف عطف يدل على التعقيب، والفعل (صلِّ) يُعرب على أنه فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره “أنت”. والتصريف الماضي من فعل الأمر (صلِّ) هو (صلّى)، والألف المقصورة فيه قد انقلبت عن ياء. وفعل الأمر من الفعل الماضي المعرب الآخر يبنى على حذف حرف العلة، لذا يُكتفى بكتابة (صلِّ) من غير ياء مع بقية الكسرة على اللام.

  • إعرب (لِرَبِّكَ)

الـ “لام” في (ربك) هي حرف جر، و(رب) هنا يُعرب كاسم مجرور بحرف الجر (لـِ) وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (صلِّ). أما الكاف (ك): فهي ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.

في قوله تعالى: (لربك) هناك التفات؛ حيث تم الانتقال من الضمير إلى المظهر، فكان من المتوقع أن يكون الكلام: (فصل لنا)، ولكنها جاءت (لربك) لتبرز أهمية ذكر ربّك وتعظيمه جلّ في علاه.

  • إعراب (وَانْحَرْ)

الواو في بداية كلمة (انحر) هي واو العطف، وتعطف جملة (انْحَرْ) على جملة (صَلِّ). أما الفعل (انحر) فهو فعل أمر مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره أنت.

وقد تم القول: إن معنى (صلّ صلاة عيد النحر وانحر) يشير إلى أن السورة مدنية؛ ولكن قيل أيضًا إن الأمر شامل لكل صلاة، وبذلك تتباين الآراء حول توقيت نزول سورة الكوثر، حيث قال الجمهور وابن عباس إنها مكية، بينما قال الحسن وقتادة وعكرمة إنها مدنية.

الآية الثالثة من سورة الكوثر

قال تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)، وهذا ردّ من الله سبحانه على ما ذكره بعض الكفار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة ابنه عبد الله، حيث تعني الآية: إن مبغضك ومبغض الحق هو الأذل، وهو المنقطع عن الخير في الدنيا والآخرة. وهذه الجملة هي جملة مستأنفة مؤكدة. يُعرب كالتالي:

  • إعراب (إنّ شانئك)

الحرف (إنّ) هو حرف مشبه بالفعل مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، واسمها هو (شَانِئَكَ)، ويُعرب: اسم (إنّ) منصوب وعلامة نصبه هي الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، والكاف: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.

  • إعراب (هُوَ الْأَبْتَرُ)

الضمير (هو) يُعرب على أكثر من وجه، فالأول هو كونه ضمير فصل لا محل له من الإعراب، وتكون (الأبتر) خبر (إنّ) مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره. وبالتالي فإن الجملة: (إنَّ شانئك هو الأبتر) هي جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

أما في الوجه الثاني، يُعتبر الضمير (هو) مبتدأ ثانٍ مبني في محل رفع، والأبتر: خبر المبتدأ الثاني (هو) مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، مما يجعل الجملة الاسمية (هو الأبتر) خبر إنّ.

أما رأي أبي البقاء بأن (هو) تعرب لتأكيد، فهو غير صحيح لأن المظهر لا يُؤكَّد بالمضمر. وقد أوضح أبو هشام أن هدف أبو البقاء من قوله يحتمل أن يكون (هو) توكيداً لا لنفس (شانئك) بل لضمير مستتر فيها.

Scroll to Top