مفهوم الرسول ودوره في الدعوة إلى الإسلام

تعريف الرسول

تتباين تعريفات مصطلح “الرسول” بين اللغة والاصطلاح كما يلي:

  • تعريف الرسول لغة واصطلاحاً: يشمل التعريف اللغوي والاصطلاح كما يلي:
    • الرسول في اللغة: يُشير إلى الشخص المبعوث لأداء مهمة معينة، حيث تعني كلمة “الإرسال” التوجيه. وقد ورد في القرآن الكريم على لسان ملكة سبأ: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ). لذا، سُمِّيت الرسل بهذا الاسم لأن الله -تعالى- قد وجههم وأرسلهم. كما ورد في قوله: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا). وفسرها ابن عباس -رضي الله عنه- بالقول إنهم يتبع بعضهم البعض، وكل منهم مُكلفٌ بحمل رسالة محددة وإيصالها إلى الناس. بينما كلمة “نبي” مشتقة من “نَبأ” التي تعني الخبر، فهو مُخبِر عن الله -تعالى-، وأيضاً يُشتق من النُبوّة، وهي المكانة الرفيعة، مما يجعله أعظم الناس منزلةً وشرفًا.
    • الرسول في الاصطلاح: هو الشخص الذي يختاره الله -تعالى- ليجعله نبيًا ورسولًا، ويأمره بتبليغ الناس بأوامر الله -تعالى- وعبادته. وأول رسول هو نوح -عليه السلام-، أما من سبقوه فهم أنبياء مثل آدم وشيث وإدريس -عليهم السلام-.
  • الفرق بين النبي والرسول: يُشير العلماء إلى أن كل رسول هو نبي، وليس كل نبي هو رسول، ويمكن توضيح ذلك بأن “الرسول” هو مصطلح أخص من “النبي”. إذ إن الرسول هو من أنزل الله -تعالى- شريعة وأمره بتبليغها للناس المتمردين، بينما النبي يُبعث لتأدية دعوة تتعلق بشريعة سابقة.

كما أن استخدام المصطلحين في القرآن الكريم يدل على أن لهما دلالتين مختلفتين، كما يتضح في قوله -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)، وكذلك في قوله: (وَاذكُر فِي الكِتابِ موسى إِنَّهُ كانَ مُخلَصًا وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا). يمكن القول إن النبي هو من لم يؤمر بتبليغ الرسالة، بينما الرسول هو الذي أُمر بذلك.

وظائف الرسول

يوضح القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مجموعة من الوظائف المهمة التي يُؤديها الرسل، ومنها ما يلي:

  • تبليغ الرسالة: يعتبر الرسل سفراء الله -تعالى- إلى خلقه، حيث يقومون بتبليغ الوحي والأمانة التي كلفهم بها. قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ). تتطلب هذه المهمة توافر صفات شخصية معينة مثل الشجاعة وعدم الخوف من الدعوة لمبادئ تخالف السائد. قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّـهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّـهَ). يتطلب الأمر الصدق في تبليغ كل ما أُوحي إليهم، سواء كان قرآناً أو أوامر ونواهي، كما قال -تعالى-: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ).

يبلغ الرسول الوحي ويوضح المقصد منه، وقد يكون التوضيح بالأقوال أو الأفعال. مثال لذلك هو توضيح النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لمقصد كلمة الظلم في قوله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يَلبِسُوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولـئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ)، إذ أن المقصود بها الشرك وليس ظلم النفس. كما فسر النبي النصوص العامة من القرآن بالسنن القولية وأفعال العبادات مثل الزكاة والصلاة. إذا كذَّب بعض القوم الرسول، فإن مهمته تُقتصر على تبليغ رسالته، قال الله -تعالى-: (وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ).

  • الدعوة إلى الله: إن الرسل يَدعون الناس إلى الإيمان من خلال دعوتهم إلى الله والاستجابة لها قولاً وعملاً واعتقاداً. يعرّف الرسل الناس بأنهم عبادٌ لله -تعالى- وأنه أرسلهم ليدعوا إلى الإيمان به وعبادته وتوحيده. يأمرون بتصديق رسله وطاعتهم، وهذا هو جوهر دعوة جميع الرسل -عليهم السلام-. قال الله -تعالى-: (وما أَرْسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَسُولٍ إِلّا نوحي إِلَيهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلّا أَنا فَاعبُدونِ). بذل الرسل جهوداً كبيرة في سبيل الدعوة، ومن ذلك استمرار سيدنا نوح -عليه السلام- في الدعوة لمدة تسعمائة وخمسين عاماً، رغم عدم استجابة سوى القليل من قومه، استخدم فيها أساليب متنوعة في دعوته، سواء سراً أو علانية، ترغيباً وترهيباً، بوعد وعيد، قال الله -تعالى-: (قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا).
  • التبشير والإنذار: يشمل التبشير والإنذار جوانب متعلقة بدعوة الرسل إلى الله -تعالى-. نجد آيات تؤكد على دورهم في التبشير والإنذار، قال الله -تعالى-: (وَمَا نُرسِلُ المُرسَلينَ إِلّا مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ). يكون التبشير في الأمور الدنيوية والأخروية، حيث يطمئن الله -تعالى- عباده بعيش هنيء في الدنيا، ويعدهم بالعز والتمكين والأمن ودخول الجنة في الآخرة، وينذر المجرمين والعصاة بعذاب النار في الآخرة، وما في الدنيا من شقاء وهلاك.

يعتمد هذا الأسلوب على طبيعة النفس البشرية التي تميل نحو الخير وتفر من الشر، فيسرعون نحو الإيمان للحصول على النعيم المُقيم الموصوف في الجنة والابتعاد عن العذاب الأليم الموصوف في القرآن.

  • تزكية النفوس وإصلاحها: بعث الله -تعالى- رُسله بالدعوة لتقود الناس من الظلمات إلى النور، وتنقلهم من ظلمة الجهل إلى نور الإسلام. قال الله -تعالى-: (اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ). فتحقق تربية النفس الإنسانية من خلال تعريفها بربها وأسمائه وصفاته، وملائكته، وكتبه، ورسله، والطريق المؤدي إلى محبته -سبحانه-. قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
  • تعديل الفكر المنحرف والعقائد الخاطئة: خلق الله -تعالى- البشر على الفطرة السليمة، يعبدون الله دون شرك. لكن عند تفرقهم واختلافهم، أرسل الله -تعالى- الرسل لتوجيههم وإرشادهم إلى الطريق المستقيم. فأنكر نوح وإبراهيم -عليهما السلام- عبادة الأصنام. وهود -عليه السلام- أنكر على قومه الاستعلاء في الأرض، وصالح -عليه السلام- أنكر على قومه الفساد.
  • إقامة الحجة: أرسل الله -تعالى- الرسل لإقامة الحجة على الناس، حتى لا يأتي الناس يوم القيامة ليزعمو أنهم لم يُرسل إليهم أحد لتعريفهم. قال الله -تعالى-: (وَلَو أَنّا أهلكناهُم بِعَذابٍ مِن قَبلِهِ لَقالوا رَبَّنا لَولا أَرسَلتَ إِلَينا رَسولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ). يوم القيامة، يُحضَر كل رسول أمام قومه ليقيم الحجة عليهم، ويشهد بأنه بلّغهم رسالة ربهم. قال الله -تعالى-: (وَيَومَ نَبعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهيدًا عَلَيهِم مِن أَنفُسِهِم وَجِئنا بِكَ شَهيدًا عَلى هـؤُلاءِ).

حينها يضطر المكذبون للاعتراف بذنبهم، خصوصًا وهم يُساقون إلى مصيرهم الرهيب. يسألهم الملائكة عن الفرسان، فلا يستطيعون الإنكار، لا سيما أمام العذاب في النار. قال الله -تعالى-: (قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى، قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ).

  • قيادة الأمة: تتضمن مهمة الرسل قيادة الناس الذين يتبعونهم والحكم بينهم وفق الشريعة. يقول الله -تعالى- في كتابه: (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ). ولن يصل العبد إلى رضا الله ومحبته إلا بطاعة أنبيائه والامتثال لأحكامهم.
  • القدوة الحسنة: من مهام الرسل أن يُصبحوا قدوات للناس في اتباع أوامر الله -تعالى- والابتعاد عن نواهيه. قال الله -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا).

صفات الرسل

يمكن تصنيف صفات الرسل إلى ثلاثة مجموعات رئيسية كما حددها علماء العقيدة، وهي كما يلي:

  • الصفات المُباحة: وهي الخصائص التي يتصف بها الرسل وفق طبيعتهم البشرية مثل الزواج، والمرض العادي، والأكل، والشرب، وغيرها من الصفات الإنسانية.
  • الصفات المستحيلة: تشمل الصفات التي لا يمكن أن يتسم الرسل بها مثل الكذب، والخيانة، وكتمان الرسالة، وهي عكس الصفات الواجب توفرها فيهم.
  • الصفات الواجبة: وهي الصفات التي يُستحسن أن يتصف بها الرسل مثل الفطنة، والصدق، والأمانة، والتبليغ. يمكن توضيح هذه الصفات كما يلي:
    • الصدق والأمانة: يجب أن يتمتع الرسل بالصدق والأمانة ليتمكنوا من تبليغ الرسالة كما أُنزلت دون إضافة أو نقص أو كتمان. وتؤكد ذلك رواية عن عائشة -رضي الله عنها- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لو كتم شيئًا من القرآن لكتم قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّـهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ).
    • العصمة: يُعتبر الأنبياء معصومين من الخطأ والنقص الذي قد يؤثر على دينهم وطاعتهم لله -تعالى-. قال الله -تعالى-: (وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
    • القدوة: جعل الله -تعالى- أنبياءه مثالًا يحتذى به، ليدل الناس على الطريق الصحيح ويفتح أمامهم أبواب الخير.
Scroll to Top