معاني كلمات الآية
إن كلمة “البث” تعني الهم الشديد، وهو التفكير في الأمور السيئة، بينما “الحزن” يشير إلى الشعور بالأسف على ما فُقد. ورغم وجود تداخل في المعنيين، إلا أن لكل منهما خصوصياته. وقد تعرض نبي الله يعقوب -عليه السلام- لهما معًا، حيث كان مشغول البال بمصير يوسف -عليه السلام- وما يواجهه من تحديات في غربته. كما أن يعقوب -عليه السلام- قد عانى من أشد أنواع الحزن بسبب فراق ابنه.
يُعتبر “البث” أصعب أنواع الهموم، التي لا يستطيع الشخص تحملها، مما يدفعه إلى التعبير عنها للآخرين. وقد ذكر المفسرون أن الشخص إذا استطاع كتمان مصائبه، فإن ذلك يعد حزنًا، أما إذا لم يتمكن من كتمانه، يُطلق عليها اسم بثٍ، وبالتالي فإن “البث” يمثل الحزن الأكثر صعوبة وأثرًا. وبهذا المعنى، يُفهم أن يعقوب -عليه السلام- يشكو حزنه العميق وما دونه من هموم إلى الله وحده، دون سواه من الناس.
التفسير التحليلي للآية
عندما رأى أبناء يعقوب ما عاناه والدهم من هم وأسى بسبب فراق يوسف، تملكتهم مشاعر الحزن والقلق عليه، فقالوا له برفق: “تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضًا”، أي حتى تضعف أو تصل إلى حالة من الهلاك. كانوا خائفين عليه من سوء ما أمر به من حزن بالغ على يوسف -عليه السلام-.
ورد عليهم يعقوب بوضوح قائلاً: “إنما أشكو بثي وحزني إلى الله”، أي همي وما أعانيه من قلق وحزن هو إلى الله وحده، فهو القادر على معرفة حالتي والذي أعتمد عليه في كل خير. لم يشأ أن يشارك همومه مع أي فرد كان، بل لجأ إلى الله وحده في دعائه وفي شكواه، مؤكدًا لهم أن لديه من المعرفة والفهم عن الله ما لا يملكونه هم.
يُبرز يعقوب -عليه السلام- أيث يقينه بأن الله لن يخذله، فهو يعلم من لطف الله ورحمته أنه سيأتيه الفرج من حيث لا يتوقع، وقد كان يعقوب يؤمن برؤية ابنه يوسف، ويعلم أنها حق وستتحقق بإذن الله.
من الدروس المستفادة من هذه الآية الكريمة، أنه يجب على الإنسان ألا يشكو همومه سوى لله -تعالى-، لأنه لا أحد يرغب بمصلحته ويريد له الخير مثل الله. كما ينبغي على المسلم أن يتحلى بالصبر دائمًا، وأن يتوكل على الله -تعالى- وهو موقن بأنه سيكشف همّه ويزول غمه.
الآية الكريمة
يقول -سبحانه وتعالى- في هذه الآية: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، وهذه الآية موجودة في سورة يوسف، رقمها (86). وقد سُميت سورة يوسف بهذا الاسم لأنها تناولت قصة نبي الله -تعالى- يوسف -عليه السلام- بشكل كامل، ولم تُذكر في سورة أخرى. هي سورة مكية، نزلت بعد سورة هود، وقبل سورة الحجر، وتعتبر السورة الثالثة والخمسون في ترتيب النزول.