تفسير آية (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم)
قال الله -عز وجل-: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). وفيما يلي تفسير هذه الآية الكريمة وفقاً لما ورد عن علماء التفسير.
تأمل في قول الله -عز وجل-: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)
توجه الأمر إلى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- للنداء إلى العمل، حيث يُعتبر فعل “اعملوا” أمراً ذا طابع تحذيري، مما يعني أن هذا الأمر يحمل في طياته وعيداً بالنار والعقاب. وقد أشارت نفس الفكرة في قوله -عز وجل-: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، مما يدل على حرية الإنسان في اختيار الأعمال، إلا أن أعمالهم ليست خفية على الله -عز وجل-، وبهذه المناسبة يقول: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ).
أما بالنسبة للعبارة “ورسوله والمؤمنون”، فهي تشير إلى أن أعمال الناس سيتم عرضها يوم القيامة أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين. هذا الخطاب موجه للجميع، سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين. فالمؤمن سيبتهج ويبشر بنجاحه، بينما يعاني الكافر من الخزي والعار أمام الله تعالى.
كما يقول الله -عز وجل- (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ). وفي مقابل ذلك يقول (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ* يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ).
تفسير العبارة (وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)
تشير الآية إلى أننا سنرد إلى علم الله الغيبي والشهيد، مما يعني أن الموت سيكون بداية للبعث. يرمز الغيب إلى ما لا يُدرك بالحواس، بينما تشير الشهادة إلى ما هو مشهود. فالله -عز وجل- محيط بكل شيء علماً، كما جاء في قوله: (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِيثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
معنى (فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
تشير هذه العبارة إلى أن الله سيفيء كل أفعالكم من خير وشر، صغير وكبير، ظاهر وباطن. كما جاء في قوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). إذا كانت الأعمال خيراً فهي خير، وإذا كانت شراً فهي شراً.
وفي حديث عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-، ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يُحيط به الله تعالى من الأعمال في قوله: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
الدروس المستفادة من الآية الكريمة
توجه هذه الآية الكريمة إلى عدة عبر ودروس هامة، منها:
- ضرورة الإكثار من الأعمال الصالحة حداً أقصى.
- استشعار رقابة الله -عز وجل- في السر والعلن.
- تأكيد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين هم شهود لله على الأعمال.
- علم الله -عز وجل- شامل لكل أعمالنا الظاهرة والباطنة.
- الخلق يشهدون مصيرهم وعودتهم إلى الله -عز وجل- مهما بلغوا من العمر.