الجار سبيل إلى البر
يُعتبر الجار شخصًا يشارك الآخر السكن في نفس الشارع، حيث يتقاسم معه أفراحه وأتراحه دون وجود صلة دموية بينهما. إن السعادة الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال الإحسان إلى الجار، مما يجعله سندًا قويًا له، وجسرًا يربطه برحمة الله تعالى. فالإنسان الضعيف يسعى دائمًا إلى جلب الخير لنفسه، وإحسانه إلى جاره يعتبر خطوة مهمة في هذا الاتجاه. يُقال “الجار قبل الدار”، وهذه العبارة ليست مجرد قول بل تعكس حقيقة يجب أن يُدركها الجميع، إذ أن الإنسان لا يمكن أن يشعر بالراحة في منزله دون أن يراعي المحيطين به. إن علاقة الجار بجاره قد تكون أعمق من العلاقة بين الأخوين اللذين فرقهما القدر.
إن الإحسان إلى الجار يعتبر شكلًا من أشكال البر، فلا يمكن للإنسان أن يكون بارًا بأحد دون أن يُحسن إلى جاره. أما إذا أراد الإنسان فحص نفسه والتأمل في سلوكياته، فما عليه إلا أن يتأمل معاملته مع جاره ليرى إن كان قد أحسن إليه أم لا. قد يعتقد البعض أن مفهوم البر مقتصر على الأبناء، ولكن هذا المفهوم أعمق بكثير. فينبغي أن يكون الأب بارًا بأبنائه، والأم بروجها، والجار بجاره، والجد بأحفاده. القصد هو ضرورة وضع الإحسان نصب الأعين في كل الأفعال، وفي حالة حدوث إساءة من أحد الجيران، فإن الرد يجب أن يكون قائمًا على مبدأ حسن المعاملة، كما ورد في الآية: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
الجار يعتبر في كثير من الأحيان مرآة للإنسان، إذ لا شيء يعكس صورة الإنسان أكثر من الإحسان إلى من حوله، même لو قرضوا سيئين التعامل معه. إذا نظرنا إلى أصل كلمة “جار”، نجدها ترتبط بالجار الذي يحمى الآخر كما يحمي نفسه. فالتقاليد العربية كانت مناصرة، إذ كان العربي يجير قاتل أبيه حتى يخرج من جواره، مما يدل على أن الجار يجب عليه حماية جاره والاعتناء بمصالحه، لذا تكون نساء جاره كأنهن نساؤه، وبيته كأنه بيته، فيحسن في التعامل فيكون سلوك الجار هو الصورة الأبهى للإسلام.
أهمية الجار في وصية النبي
أولت الشريعة الإسلامية أهمية كبيرة لترسيخ العلاقات الإنسانية، فالأخ مطالب بالإحسان لأخيه، والجار لجاره. فالشريعة تحرص على ضبط العلاقات بين الخلق وخالقهم، وفيما بينهم. لقد عمل الإسلام على تهذيب الأخلاق ويوضح الأسس التي يجب أن تُبنى عليها العلاقات بين الناس. ومن هنا يأتي دور الجار في الإسلام، حيث قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}.
ولا يمكن أن ننسى وصية النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- التي تكررت من قبل جبريل عليه السلام، حيث أُوصى النبي بالإحسان إلى الجار حتى ظن أنه سيجعله من الوارثين. كما أشار إلى أن ما لا يؤمن به المرء هو من بات شبعان وجاره جائع. هذه النقطة مهمة للغاية، حيث تجعل رسول الله يشير إلى أهمية الإيمان ضمن سلوك المسلم تجاه جيرانه، بغض النظر عن ديانتهم.
الجار في السراء والضراء
يفترض أن يكون المسلم عونًا لجاره في كل الأحوال، حتى لو كان الجار غير مسلم. المبدأ هنا هو وجوب مساعدة الجار وعدم مشاركته في السوء. هناك خطأ شائع قد يفكر به المرء، بأن النصرة تعني مساعدة الجار في كل شيء، وهو ما يؤدي لتعقيد العلاقات الاجتماعية. إن الرجل عندما يواجه صعوبة يجب أن يجد جاره في صفه، ليسهم في استقرار حياته. إن علاقة الجيران يجب أن تكون كنجوم السماء التي تتألق معًا، فالعلاقة الإيجابية تساهم في عدالة الحياة الاجتماعية.
عندما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، رأى أهمية بناء العلاقات الإنسانية، فقام بإخاء المهاجرين والأنصار، مما أدى إلى تأسيس قاعدة اجتماعية قوية تقوم على التفاهم والمساعدة المتبادلة.
الجار الصالح كنعمة
إن وجود جار صالح يبعث على الاطمئنان للأسر، بعيدًا عن القلق والتوتر. وعندما يفتقد الجار إلى الخلق الحسن، قد يصل الأمر إلى تأثر الناس سلبًا، حتى قد يجعلهم يتركون بيوتهم خوفًا من الأذى. ترتبط انتصارات العزاء أيضًا بجيرانهم، وهذا ما يظهر في حياة المسلمين عندما دعوا لإعداد الطعام لمن فقد عزيزًا. لذا، من الضروري قبل شراء بيت أن يتم التحقق من الجيران، فالصالحين هم من يثمنون العلاقة وجعلها مستمرة. العاقل لا يقترب من القرباء السيئين.
يجب على الناس دائمًا البحث عن الجيران ذوي الأخلاق الحسنة، فالجيران الصالحون هم من يعتبرون أفضل خيار لأية بيت. المقولة الشهيرة “الجار قبل الدار” تحمل في طياتها الكثير من الحكمة، حيث إن وجود جار ذو أخلاق سيئة يؤثر على جودة الحياة في المنزل. وجب على الأفراد تحسين سلوكياتهم لتلائم ما كان يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع جيرانه حتى مع أعدائه.
للمزيد من المعلومات عن حقوق الجار، يمكنكم زيارة الرابط التالي: موضوع تعبير عن حقوق الجار.