تعريف شامل لبحوث العمليات وأهميتها

تعريف بحوث العمليات

تُعتبر بحوث العمليات (بالإنجليزية: Operations Research) من أساليب التحليل المتقدمة التي تستخدم لحل المشكلات وضمان اتخاذ قرارات فعالة. تعد هذه البحوث أداة بالغة الأهمية في إدارة المؤسسات؛ حيث تساهم في تقسيم المشكلات الكبرى إلى أجزاء أصغر يسهل التعامل معها، وتتبع خطوات تحليلية منظمة تعتمد على الرياضيات.

يوجد العديد من التخصصات التي تشترك أو تتداخل مع بحوث العمليات، مثل التحليل الإحصائي، ونظرية التحسين، وعلوم الإدارة، ومجالات الذكاء الاصطناعي، وتحليل الشبكات. جميع هذه المجالات تتجه نحو حل المشكلات المعقدة وتعزيز جودة القرارات المتخذة.

تاريخ بحوث العمليات

ظهر مفهوم بحوث العمليات لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية من قبل المخططين العسكريين، وبعد انتهاء النزاع، تم تطبيق الأساليب المستخدمة في بحوث العمليات العسكرية لتلبية احتياجات قطاعات الأعمال والحكومة والمجتمع.

في عام 1937، بدأ العلماء البريطانيون تعليم القادة العسكريين كيفية الاستفادة من الرادار، وفي عام 1939 قام سلاح الجو الملكي بتوسيع مناطق تغطية الرادار لزيادة الوقت بين التحذير الأولي وهجوم العدو المحتمل.

تواصلت الأبحاث العسكرية في تحديات تشغيل الرادار، حيث تم تفكيك الأجهزة ودراسة كل مكون على حدة لفهم كيفية عملها وتأثيرها على الأنظمة الأخرى، مما أدى إلى استعمال الرادار بكفاءة أكبر في تتبع نيران العدو. وفي عام 1942، تم تأسيس مجموعة مخصصة لبحوث العمليات في الخدمة العسكرية البريطانية.

بعد الحرب، انتقل العديد من الباحثين البريطانيين إلى قطاعات الصناعة والحكومة، حيث تم استخدام بحوث العمليات في تأميم الصناعات وفي مجالات الكهرباء والنقل. اتبعت العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، نفس النهج، حيث توسعت بحوث العمليات لتغطية أنشطة الحرب البحرية والجوية.

خطوات بحوث العمليات

هناك خطوات أساسية ينبغي اتباعها لضمان نجاح بحوث العمليات، ومن أبرزها ما يلي:

تحديد المشكلة

يجب وضع معايير للأداء وتحديد الخطوات الممكنة لحل المشكلة، بالإضافة إلى التعرف على المتغيرات التي قد تطرأ أثناء البحث. ويهدف تنوع الوسائل إلى معالجة احتمال عدم توافق أي تقنيات مع ظروف البحث، مما يؤدي إلى اعتماد استراتيجيات بديلة.

على الباحث أو المؤسسة إجراء دراسة شاملة حول نظام البحث وظروفه لتحديد المشكلة، وبذلك يمكن اتباع الخطوات الأربع التالية:

  • تحديد المُستهدفين الذين تطمح المؤسسة إلى تلبية احتياجاتهم.
  • تحديد كيفية إبلاغ المستهدفين بذلك.
  • تحديد كيفية جمع المعلومات المتعلقة باحتياجات المُستهدفين.
  • تحديد الإجراء المُعتمد.

إنشاء نموذج يرتبط بالمتغيرات المتعلقة بالمشكلة

يعد النموذج تمثيلاً مصغراً للعالم الواقعي، ويتضمن المتغيرات المرتبطة بالمشكلة المطروحة، وقد لا يتضمن جميع المتغيرات لأن ليس بالضرورة أن تكون جميعها مسؤولة عن تفسير الظاهرة.

يمكن أن تكون نماذج بحوث العمليات مادية، مثل نماذج الطائرات أو السفن، أو نماذج رمزية تُعبر عن مفاهيم أكثر تعقيدًا.

تأتي عملية رسم النماذج كأحد الخطوات التالية، وهي تكون عادةً واضحة وملموسة، حيث تركز على متغيرين أو ثلاثة، على عكس النماذج الأكثر تعقيدًا التي تتضمن متغيرات متعددة.

تساهم النماذج في تحليل المشكلة وصياغتها، حيث يمكن استخدامها كأداة لاكتشاف المشكلة وتحديد استراتيجيات العمل المحتملة. في حال كانت النماذج معقدة، يمكن تقسيمها إلى نماذج فرعية لحل كل منها بشكل مستقل، ومن ثم تجميع الحلول لإيجاد الحل النهائي.

التوصل لحلول من خلال النموذج

يصل الباحث إلى الحلول عن طريق الاستنتاج أو الاستقراء. فإذا تم الاستنتاج رياضيًا، يمكن استخدام علوم الرياضيات مثل التفاضل والتكامل لاستخراج الحل عبر خوارزمية معينة. قد يكون الحل معقدًا، لذا يستعين الباحث به لمقارنة الحلول البديلة واختيار الأفضل.

بخصوص الاستقراء، يتم إجراء تجارب متكررة لتحديد الحل الأمثل، والذي يعتبره الباحث هو الأفضل. وفي حالة الرغبة في تجربة المزيد من الحلول، قد تكون التكاليف مرتفعة دون فائدة ملحوظة.

التحقق من الحلول

عند تطوير النماذج، من المهم اختبار الحلول المستنبطة قبل اتخاذ القرار النهائي. يعود السبب في ذلك إلى احتمال عدم كفاءة النموذج أو عدم شموليته لجميع المتغيرات المطلوبة، مما يتطلب إجرائها تجارب دقيقة لتحديد أوجه القصور.

ينبغي على الباحث التحقق من أن الحل المستخرج من النموذج يؤدي إلى أفضل النتائج مقارنةً بالبدائل المتاحة، وذلك بجمع بيانات الأداء من النموذج ومقارنتها بتلك الفعلية تحت ظروف معينة، وأي تباين كبير يدل على حاجة النموذج للتعديل.

تنفيذ الحلول

يتم اختبار الحل البديل لجميع الخيارات المطروحة، ويستند القرار النهائي إلى موثوقية البحث والوسائل المستخدمة. يجب أيضاً تدريب الجهات المعنية على كيفية تنفيذ الحل وتطبيقه، مع إمكانية إجراء تعديلات عند ظهور أي مشكلات.

قد يفشل الحل النهائي نتيجة لعدة أسباب، منها:

  • إنشاء النموذج بشكل غير صحيح أو استخدامه بطرق غير ملائمة.
  • عدم استخدام البيانات الصحيحة عند بناء النموذج.
  • تنفيذ الحل بطريقة غير دقيقة.
  • تغير الظروف الفعلية للمشكلة أو البيئة بعد تطبيق الحل.

خصائص بحوث العمليات

تتميز بحوث العمليات بثلاث خصائص أساسية لضمان نجاحها، وهي:

  • توجه الأنظمة:

تؤكد هذه الصفة على أن سلوك أي جزء من النظام يؤثر على النظام ككل، حيث قد تعمل المكونات بشكل جيد بينما يفشل النظام الكلي. على سبيل المثال، قد تعمل جميع أجزاء السيارة بصورة منفردة، لكن عدم تفاعلها معًا يعني عدم فعالية السيارة ككل.

  • فريق متعدد التخصصات:

تتطور التخصصات العلمية بمرور الوقت، وعند إجراء بحوث العمليات، من الضروري دمج وجهات نظر متعددة تغطي جوانب البحث. وهذا يتطلب تكوين فريق من ذوي الخلفيات العلمية والت فنية المتنوعة، مما يعزز من قوة البحث واستراتيجياته.

  • منهج علمي يستند إلى ظروف البحث:

تمثل التجارب العملية الوسيلة الأكثر فعالية في إجراء البحث. ومع ذلك، في بعض الحالات، يصعب تنفيذ الدراسات في المختبرات، مما يستدعي استخدام نموذج مدروس أو محاكاة دقيقة للتحقق من كفاءته، مما يتطلب أن يكون النموذج جيدًا ودقيقًا.

أهمية بحوث العمليات

توفر بحوث العمليات، بالمقارنة مع التجارب التقليدية وأدوات تحليل البيانات، أسلوبًا أكثر قوة لاتخاذ القرارات. ويمكن للشركات جمع بيانات شاملة ولديها ميزة أكبر عند الاعتماد على خبراء بحوث العمليات، حيث تتناول هذه الخطوات جميع الخيارات المتاحة، والتنبؤات الشاملة، وتقدير المخاطر المحتملة.

يمكن أيضًا إجراء بحوث العمليات بالتوافق مع ظروف محددة أو حالات معينة لتحديد التقنيات الأنسب لمعالجة المشكلات.

تطبيقات واستخدامات بحوث العمليات

تُطبق بحوث العمليات في عدة مجالات متنوعة، منها:

  • الجدولة وإدارة الوقت.
  • التخطيط الحضري والزراعي.
  • تخطيط موارد المؤسسات وإدارة سلاسل التوريد.
  • إدارة المخزون.
  • تحسين هندسة الشبكة المؤسسية.
  • تحسين ممارسات الإجراءات المتبعة داخل المؤسسة.
  • إدارة المخاطر والأزمات.
Scroll to Top