بيع السلم
وضح الله -عز وجل- في القرآن الكريم وكذلك من خلال سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحكام وقوانين المعاملات التي تنظم العلاقة بين الأفراد؛ لضمان حقوق كلا طرفي العقد. من هذه المعاملات أنواع البيوع المختلفة، والتي تنقسم إلى ما هو جائز وما هو محرم، إضافة إلى ما يأتي على خلاف الأصل ولكنه يجوز، كبيع السلم. وقد كان بيع السلم معروفاً في المدينة المنورة قبل قدوم الرسول -صلى الله عليه وسلم- إليها، حيث كان أهل المدينة يقومون بإقراض الثمار لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات. فبعد هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة واستقراره فيها، أقرّ بيع السلم مع وضع قوانين وشروط خاصة لضمان صحة البيع. في هذا السياق، سنستعرض معنى بيع السلم وأركانه وشروطه.
تعريف بيع السلم
- السلم في اللغة: يُلفظ بفتح السين المُشددة وفتح اللام، ويُستخدم أيضاً مصطلح السلف، حيث تتشابه المعنيان، وتأتي تصريفاتهما على النحو التالي: سَلَّم وأَسلَم، أو سَلَّف وأسْلَف. يُشير السلف بشكل عام إلى القرض دون مقابل، بينما يعني السلم التسليم. سُمّي بالسلف لأنه يتضمن تسليم رأس المال مسبقاً، بينما يُعرف بالسلم لأن رأس المال يُدفع في المجلس، ويتم تأخير تسليم السلعة إلى وقت لاحق.
- السلم شرعاً: يعني تسليم رأس المال من المشتري للبائع عند إبرام العقد، قبل تسليم السلعة، مع الاتفاق على موعد تسليم محدد وشروط وصف السلعة ونوعها وكمية تسليمها.
- يُمكن تعريف السلم أيضا بأنه: (بيع سلعة مؤجلة ومحددة في الذمة بسعر مُقدَّم).
حكم بيع السلم وصورته وحكمة مشروعيتة
حكم بيع السلم
جاءت مشروعية بيع السلم في الكتاب والسنة، وقد أجمع الصحابة والتابعون والفقهاء على جواز معاملات بيع السلم وفق شروط محددة. أما دليل مشروعيتها من القرآن الكريم، فهو في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ). كما جاء ذكر بيع السلم في السنة النبوية حيث روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن أسلَف في شيءٍ ففي كَيلٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ).
حكمة مشروعية بيع السلم
تأتي إباحة بيع السلم في الإسلام مراعاة لمصالح الناس، وتيسيراً لمعاملاتهم الاقتصادية وضماناً لحقوقهم. يوفر هذا النوع من البيع دعماً مالياً للمزارعين الذين قد يواجهون أوقاتاً صعبة يحتاجون فيها للنقد لتمويل زراعتهم وأجور العمال. وفي الوقت نفسه، يستفيد المشترون من شراء السلع بأسعار أقل من تلك المقررة عند الحصاد وبهذا تكون للصفقات فائدة للطرفين.
أركان وشروط بيع السلم
أركان بيع السلم
يتميز بيع السلم بأنه يتطلب ركناً واحداً فقط، وهو صيغة العقد. بناءً على هذه الصيغة، يتم تحديد صحة العقد من عدمها. اختلف الفقهاء في الشروط المتعلقة بصيغة عقد السلم، حيث توجد ملاحظتان رئيسيتان كما يلي:
- يرى غالب علماء الحنفية والمالكية والحنابلة أن صيغة البيع يجب أن تتضمن كلمات محددة مثل: البيع، السلم، أو السلف. أي صيغة أخرى قد لا تعطي صفة السلم كعقد. استندوا إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن بيع غير المملوك، وأجاز ذلك في السلم.
- في المقابل، يرى فقهاء الشافعية أن عقد السلم يجب أن يتم بلفظ السلم فقط، ولا تُقبل صيغة العقد ما لم تحتوِ على هذا اللفظ بالتحديد. وعليه، إن جرى استخدام ألفاظ أخرى، كبيع أو إجارة لم يُعتبر عقداً صحيحاً.
شروط بيع السلم
توجد عدة شروط ضرورية لصحة عقد بيع السلم، بجانب شروط أخرى متعلقة به. فيما يلي نوضح تلك الشروط:
شروط صحة بيع السلم
يشترط لصحة عقد السلم ما يلي:
- أن تكون السلعة ذات جنس معلوم.
- أن يكون لها مقدار محدد.
- أن يتصف بصفات واضحة.
- أن يكون هناك أجل معلوم.
- أن يكون هناك تحديد لمكان عقد البيع.
شروط رأس المال
تتضمن شروط رأس المال المعني بما يلي:
- أن يكون جنس المال معروفاً: مثل الدينار أو الدولار.
- أن يكون له مقدار محدد: مثل 10 آلاف دينار أو 20 ألف دولار.
- أن يكون نوع المال معروفاً.
- أن تكون صفة المال معروفة: صنف جيد أو متوسط.
- أن يتم تسليمه في مجلس الاتفاق مباشرة.
شروط المُسلَم فيه
يعني المُسلَم فيه المال أو السلعة التي تم تأسيس العقد عليها ويجب أن تتوافر فيها الشروط التالية:
- أن يكون جنس السلعة معلوماً: كالحبوب مثلاً.
- أن يكون نوعها معروفاً.
- أن تكون الصفات واضحة: مثل صنف ممتاز أو متدني.
- أن يكون المقدار معينًا: مثل 1000 كيلوجرام أو 100 طن.
- تخلو من ربا الفضل.
- أن يكون السلعة مؤجلة.
- أن تتوفر السلعة في الأسواق بنفس النوع والوصف في وقت إبرام العقد وحتى موعد تسليمها.
- يجب تحديد موعد ومكان التسليم بوضوح.
شروط العقد
- يجب أن يكون عقد السلم قطعياً، بدون خيار الشرط وفق رأي غالبية الفقهاء (الحنفية، الشافعية، والحنابلة).
- استثنى الإمام مالك هذا الشرط وأجاز خيار الشرط لفترة لا تتجاوز ثلاثة أيام، مشيراً إلى قصر المدة وتأثيرها البسيط على طبيعة عقود السلم.