تعريف النص في علم أصول الفقه

النص في فكر الأصوليين

تناول الأصوليون مفهوم النص في مؤلفاتهم، وقد انقسموا في تعريفه إلى فريقين: الفريق الأول هم الجمهور، والفريق الثاني هم الأحناف. وفيما يلي تعريف النص وفق كل منهم:

تعريف النص وأمثلة عليه عند جمهور الأصوليين

في اللغة، يشير النص إلى الكشف والإظهار والوضوح، ومن منظور جمهور الأصوليين، فإن النص هو ما يدل على معناه دلالة واضحة لا تحتمل أي تفسير آخر. بمعنى آخر، من عوالم النص أنه لا يقبل التأويل ولا يحمل معانٍ متعددة. ويقتصر مفهوم النص على الأدلة النقلية مثل القرآن والسنة، حيث يُقابل النص كل من الظاهر والمجمل.

ومن بين الأمثلة على النص وفق رأي الأصوليين:

  • قال الله -عز وجل-: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)، حيث أن النص هنا هو الرقم الثمانين، لأنه عدد محدد لا يمكن تغييره.
  • قال الله -عز وجل-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ).

تعريف النص وأمثلة عليه عند الأحناف

يُعرّف النص عند الأحناف بأنه ما كان أكثر وضوحًا من الظاهر من حيث المعنى المُراد من المتكلم، وليس فقط من صيغة الكلام. حيث إن النص يحتمل التأويل. ومن الأمثلة على النص حسب رأي الأحناف:

  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلًا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسأله: يا رسول الله، إننا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، هل نتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته).

هنا، النص دال على جواز الوضوء بماء البحر، مما يُظهر أن المقصود من السياق هو تأكيد أن ماء البحر طاهر ومطهر.

  • قال الله -عز وجل-: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)، حيث تشير هذه الآية الكريمة إلى جواز نكاح أربع نساء أو أقل.

خصائص النص عند الأصوليين

يمتاز النص بخصائص تمذكرها في مؤلفات الأصوليين، ومن هذه الخصائص:

  • النص يقبل النسخ

النسخ يمثل رفع حكم شرعي متقدم بأدلة شرعية لاحقة، وغالبًا ما يتم ذلك في الأحكام الفقهية العملية فقط، ولا يشمل الأخبار الغيبية أو العقائد التي تحتمل التصديق أو التكذيب.

عندما نقول أن النص يقبل النسخ، فإن ذلك يعني أنه يمكن أن يكون له حكم مشروع يُعطل لاحقًا من قبل الشارع -عز وجل-، حيث وُجد النسخ في عهد النبوة، بينما لا يُقبل النص بالنسخ بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

  • النص يقبل التخصيص

التخصيص يعني استثناء بعض الأفراد من الحكم العام بناءً على دليل شرعي، لذا فإن النص يحتمل التخصيص خلال عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن بعد وفاته فإن النص لا يُقبل التخصيص.

  • النص لا يقبل التأويل

التأويل هو تحويل ظاهر اللفظ إلى معنى آخر وفقًا لقرينة موجودة، إلا أن النص لا يحتمل التأويل لأنه يدل على معنى قطعي لا يقبل أي احتمالات.

Scroll to Top