التحليل الموضوعي لقصيدة: تحية الشام لحافظ إبراهيم
تعد قصيدة “تحية الشام” واحدة من أبرز أعمال الشاعر حافظ إبراهيم، ويأتي تحليلها الموضوعي على النحو التالي:
التحليل الموضوعي للقسم الأول من القصيدة
يقول حافظ إبراهيم:
حَيّا بَكورُ الحَيا أَرباعَ لُبنانِ
وَطالَعَ اليُمنُ مَن بِالشَأمِ حَيّاني
أَهلَ الشَآمِ لَقَد طَوَّقتُمُ عُنُقي
بِمِنَّةٍ خَرَجَت عَن طَوقِ تِبياني
قُل لِلكَريمِ الَّذي أَسدى إِلَيَّ يَداً
أَنّى نَزَحتَ فَأَنتَ النازِحُ الداني
ما إِن تَقاضَيتُ نَفسي ذِكرَ عارِفَةٍ
هَل يَحدُثُ الذِكرُ إِلّا بَعدَ نِسيانِ
وَلا عَتَبتُ عَلى خِلٍّ يَضِنُّ بِها
ما دامَ يَزهَدُ في شُكري وَعِرفاني
أَقَرَّ عَينِيَ أَنّي قُمتُ أُنشِدُكُم
في مَعهَدٍ بِحُلى العِرفانِ مُزدانِ
وَشاعَ فيّ سُرورٌ لا يُعادِلُهُ
رَدُّ الشَبابِ إِلى شَعري وَجُثماني
يتمحور موضوع هذا الجزء حول تحية الشاعر لبلدان الشام، ولا سيما لبنان، حيث يوحي الأبيات بأن الشاعر قد زارها واستقبل بحفاوة من أهلها. وتعكس المعاني مشاعر الفرح والسعادة التي اختبرها الشاعر نتيجة كرم الضيافة المعروف عن سكان الشام.
التحليل الموضوعي للقسم الثاني من القصيدة
يقول حافظ إبراهيم:
لي مَوطِنٌ في رُبوعِ النيلِ أُعظِمُهُ
وَلي هُنا في حِماكُم مَوطِنٌ ثاني
إِنّي رَأَيتُ عَلى أَهرامِها حُلَلاً
مِنَ الجَلالِ أَراها فَوقَ لُبنانِ
لَم يَمحُ مِنها وَلا مِن حُسنِ جِدَّتِها
عَلى التَعاقُبِ ما يَمحو الجَديدانِ
حَسِبتُ نَفسي نَزيلاً بَينَكُم فَإِذا
أَهلي وَصَحبي وَأَحبابي وَجيراني
مِن كُلِّ أَبلَجَ سامي الطَرِف مُضطَلِعٍ
بِالخَطبِ مُبتَهِجٍ بِالضَيفِ جَذلانِ
يَمشي إِلى المَجدِ مُختالاً وَمُبتَسِماً
كَأَنَّهُ حينَ يَبدو عودُ مُرَّانِ
تتناول هذه الأبيات بشكل رئيس مديح مناطق الشام، حيث تعتبر بمثابة الموطن الثاني للشاعر والعرب إجمالًا. كما تعبّر عن الراحة النفسية التي يشعر بها الشاعر بين أحبائه وأسرته، مشددًا على أن الحضارتين المصرية واللبنانية تتمتعان بأصالة متساوية.
التحليل الموضوعي للقسم الثالث من القصيدة
يقول حافظ إبراهيم:
سَكَنتُمُ جَنَّةً فَيحاءَ لَيسَ بِها
عَيبٌ سِوى أَنَّها في العالَمِ الفاني
إِذا تَأَمَّلتَ في صُنعِ الإِلَهِ بِها
لَم تَلقَ في وَشيِهِ صُنعاً لِإِنسانِ
في سَهلِها وَأَعاليها وَسَلسَلِها
بُرءُ العَليلِ وَسَلوى العاشِقِ العاني
وَفي تَضَوُّعِ أَنفاسِ الرِياضِ بِها
رَوحٌ لِكُلِّ حَزينِ القَلبِ أَسوانِ
أَنّى تَخَيَّرتَ مِن لُبنانَ مَنزِلَةً
في كُلِّ مَنزِلَةٍ رَوضٌ وَعَينانِ
يا لَيتَني كُنتُ مِن دُنيايَ في دَعَةٍ
قَلبي جَميعٌ وَأَمري طَوعُ وِجداني
أَقضي المَصيفَ بِلُبنانٍ عَلى شَرَفٍ
وَلا أَحولُ عَنِ المَشتى بِحُلوانِ
يا وَقفَةً في جِبالِ الأَرزِ أَنشُدُها
بَينَ الصَنَوبَرِ وَالشَربينِ وَالبانِ
تَستَهبِطُ الوَحيَ نَفسي مِن سَماوَتِها
وَيَنثَني مَلَكاً في الشِعرِ شَيطاني
عَلّي أُجاوِدُكُم في القَولِ مُقتَدِياً
بِشاعِرِ الأَرزِ في صُنعٍ وَإِتقانِ
يركّز الشاعر في هذا الجزء على لبنان، مشبّهًا إياه بالجنة ومعتبرًا أنه ملاذ للباحثين عن السكون النفسي. يستعرض جمال طبيعة لبنان وما تحتويه من أشجار وثمار وزهور، ممّا يعزز شعوره بالإلهام في كتابة الشعر بسهولة ويسر.
التحليل الفني للقصيدة
لقد ساهمت الصور الفنية في تشكيل لوحة أدبية تتيح للشاعر التعبير عن معانيه بدقة عالية، ومن بين هذه الصور:
- طالَعَ اليُمنُ مَن بِالشَأمِ حَيّاني
يشبّه الشاعر اليُمن بالإنسان الذي يزور الآخرين، مستخدمًا استعارة مكنية بإزالة المشبه به مع الاستبقاء على جزء من لوازمه.
- رَدُّ الشَبابِ
يقارن الشاعر الشباب بشيء يمكن استرجاعه، معتمدًا أيضًا على استعارة مكنية هنا بإزالة المشبه به مع احتفاظه بإحدى لوازمه.
- يَمشي إِلى المَجدِ مُختالاً كَأَنَّهُ عودُ مُرَّانِ
يقارن الشاعر اختيال الإنسان بتعيد عود، حيث ذكر جميع العناصر اللازمة للتشبيه، ما يجعل التشبيه كامل الأركان.
- أَنفاسِ الرِياضِ
يشبّه الشاعر الرياض بإنسان يتنفّس، مستخدمًا استعارة مكنية بطريقة شبيهة بإزالة المشبه به.
التحليل الإيقاعي لقصيدة: تحية الشام لحافظ إبراهيم
اعتمد الشاعر في بناء القصيدة على البحر البسيط، والذي يتميز بتكرار أربع تفعيلات في كل شطر، مما يمنح القصيدة طابعًا موسيقيًا طويلًا ويوفر تنوعًا في الأصوات بين المهموس والمجهر. كما استخدم الشاعر حرف النون كروي، ويعكس هذا الحرف حُزنًا خاصًا يدل على المشاعر العميقة المدفونة في نفس الشاعر، والتي تتجلى من خلال الموسيقى التي ينتجها.