ملامح وصفات المنافقين
قال -تعالى-: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّـهِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)
( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ* وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّـهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
تناقش السورة واحدة من أبرز صفات المنافقين السيئة، وهي الكذب والخداع. يُعرف المنافق بأنه الذي يُظهر الإسلام بينما يُخفي الكفر، أو يُظهر عكس ما يُبطن من الأقوال والأفعال. وتوجه السورة النبي -صلى الله عليه وسلم- حول كيفية التعامل مع المنافقين عندما يحضرون مجلسه.
وعلى الرغم من أن المنافقين يشهدون بخداع أنهم مخلصون لرسالة الله -سبحانه وتعالى-، إلا أنهم يكذبون في هذه الشهادة. بينما الله -عز وجل- يعلم تمام العلم أن النبي هو رسوله الحق، لذا لا حاجة له لهذه الشهادة التي تتعارض مع بوطنهم، والله -عز وجل- يشهد بأنهم كاذبون في أقوالهم.
تتمثل الأيمان الكاذبة في استخدام المنافقين كوسيلة للتستر على كفرهم، حيث يستترون بأيمان مزيفة تفادياً للأذى من المؤمنين، كما أنهم يستخدمون هذه الأيمان لصرف الناس عن الدين الحق.
نتيجة لإصرارهم على الكفر، ختم الله -تعالى- على قلوبهم، ولم يعد بإمكانهم إدراك جوهر الإيمان. وعلى الرغم من أنهم يتمتعون بأجسام جميلة وأقوال تُغري بالسماع، إلا أن قلوبهم فارغة من الخير، ومليئة بالصفات السيئة.
مقولات المنافقين
قال -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّـهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ)
(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ* هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّـهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّـهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَـكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ)
(يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
تظهر ردود فعل المنافقين عندما تُطلب منهم استغفار النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستكبار والاستهزاء. ولأن قلوبهم مليئة بالكفر والفسق، فإنهم لن يُهدَوا من قبل الله -تعالى- حتى لو استغفر لهم الرسول.
ولن يكتفوا بذلك، بل يحاولون منع الفقراء من الانضمام إلى الإيمان من خلال عدم الإنفاق عليهم، متغافلين عن أن الله -عز وجل- هو مالك كل شيء.
ثم يتحدث عن موقفهم المشين خلال غزوة بني المصطلق، عندما زعموا أنهم سيخرجون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المدينة، واصفين إياه بالأذل -حاشاه-، ولكن العزة لله -عز وجل- ولرسوله وللمؤمنين.
وقد تجلى ذل المنافقين عندما منع ابن زعيمهم المؤمن، والده من الدخول إلى المدينة حتى يُسمح بذلك من قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أوامر الله للمؤمنين
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
( وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ* وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّـهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
يوجه الله -عز وجل- عباده المؤمنين، مؤكدًا عليهم أهمية عدم انشغالهم بالأموال والأبناء عن ذكره وطاعته كما حدث مع المنافقين.
فمن يهمه الدنيا على حساب الآخرة فقد خسر صفقة كبيرة، إذ فضل الفاني على الباقي. ويأمرهم أيضًا بالإنفاق في سبيل الله قبل أن يأتيهم موعد وفاتهم، حيث يتمنى الواحد منهم عندها لو أُخر له أجلٌ قليلاً ليقوم بالتصدق بأعمال صالحة، ولكنه قد أُتيحت له الفرصة ولن يتأخر أجله لحظة.
مقاصد السورة الكريمة
توجهت السورة الكريمة بمضامين متعددة، نستعرض بعضها كما يلي:
- الكشف عن بعض أحوال المنافقين ومؤامراتهم ضد الإسلام.
- تذكير المؤمنين وحثهم على الإنفاق في سبيل الله -عز وجل-.
- الإشارة إلى تكذيب رأس النفاق عبد الله بن أبي سلول.
وذلك خلال غزوة بني المصطلق، حيث زعم أنه الشخص العزيز الذي سيخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، واصفًا إياهم بالأذلاء -حاشاهم- بعد حدوث مشاجرة بين خادم لعمر بن الخطاب ورجل من الأنصار، حيث استغاث كل منهما بقومه، فغضب ابن سلول وخرج بما قاله.