التفسير الشامل لسورة الروم وفقاً للقرطبي

تفسير سورة الروم كما أوضحه القرطبي

تناول الإمام القرطبي تفسير سورة الروم في مؤلفه “الجامع لأحكام القرآن”، ويمكن تقسيم الموضوعات الرئيسية للسورة إلى ثلاثة محاور رئيسية كما يلي:

إخبار الله بانتصار الروم على الفرس

في هذا المحور الذي يُعتبر بمثابة مقدمة للسورة، يُخبر الله -عز وجل- عن انتصار الروم على الفرس في المستقبل، ويتضمن هذا الجزء من الآيات من (1 إلى 6) حيث يقول الله تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ). كان الفرس قد انتصروا على الروم، وقد شعر المشركون في مكة بالفرح حينها، كونهما وثنيين مثلهم، بينما كان المسلمون يتمنون انتصار الروم لكونهم أصحاب كتاب. وقد ذكر أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- هذا الأمر للرسول -صلى الله عليه وسلم-، الذي أبلغه بأن الروم سيحققون النصر. ثم تواصل أبو بكر مع قريش وأقام رهانًا على ذلك، مودعًا أجلًا قدره خمس سنين، وعندما لم يحدث النصر في ذلك الوقت، تحقق انتصار الروم بعد عدة سنوات، الأمر الذي أسعد المسلمين بمجيء وعد الله إلى الواقع.

الحثّ على التأمل في خلق الله وتوبيخ المكذبين

في هذا المحور، يأمر الله -سبحانه وتعالى- المكذبين بلقائه بالتفكر في خلق السماوات والأرض وأنفسهم، ليصلوا إلى فهم أن الله لم يخلق هذا الكون من دون سبب بل لإحقاق الحق. كما يُحثون على التأمل في عاقبة الأمم السابقة التي كانت أقوى منهم، حيث لم تفدهم قوتهم ولا عمرانهم عندما كذبوا رسلهم الذين جاءوا بالبينات. حيث يقول الله تعالى: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ). وتتضمن هذه الفقرات من الآيات (7 إلى 10).

إثبات البعث وخصائص الله

يتناول هذا المحور موضوع إثبات البعث والحساب يوم القيامة، ويستعرض بعض أسماء وصفات الله -عز وجل-، ويؤكد على قدرته في إحياء الموتى وإعادتهم للحساب، ويتضمن ذلك الآيات من (11 إلى 60). من المعاني التي تم توضيحها في تفسير هذه الآيات ما يلي:

  • الله هو المقيّس: الذي بدأ الخلق من العدم، وقادر على إعادته كما كان. ويعود الخلق إلى الله وحده، كما قال تعالى: (اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). وقد ذكر الله ذلك كدليل على الكافرين والمجرمين يوم القيامة، حيث يتميز المؤمنون عن الكافرين، فالأولون في الجنة، بينما الآخرون في جهنم.
  • الخالق الرازق المحيي المميت: كما ورد في قوله تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ). هذه الآية تدل على أن الله هو الخالق والرّازق وحده، نازعًا عن نفسه الأنداد.
  • مرسل الرياح: كما في قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ)، حيث يشير ذلك إلى قدرة الله -عز وجل- في إرسال الرياح قبل المطر، ليعم الفرح والخصب على الناس.
  • القدرة الإلهية في تقلب الإنسان: حيث قال تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ). يوضح ذلك كيف خلق الله الإنسان من ضعف ثم أعطاه القوة في الشباب، ليعود إلى الضعف في مرحلة الشيخوخة، وذلك بمثابة دليل على قدرة الله المطلقة على الإنسان.
Scroll to Top