تحليل رواية الفضيلة للمنفلوطي
تعتبر رواية “الفضيلة” ترجمة لرواية فرنسية بعنوان “بول وفيرجيني”، للكاتب الفرنسي برناردين دي سان بيير. قام المنفلوطي بترجمة هذه الرواية من الفرنسية إلى العربية واختار لها عنوان “الفضيلة”، لكنه احتفظ بأسماء الشخصيات والأماكن كما هي، مراعياً هويتها الفرنسية.
المكان في رواية الفضيلة
تبدأ الرواية بحديث عن جزيرة موريس، وهي واحدة من جزر قارة أفريقيا تقع في المحيط الهندي بالقرب من مدغشقر. تُعتبر هذه الجزيرة مستعمرة فرنسية حيث يحكمها البيض ويستعبدون السكان الأصليين من الأفارقة السود.
يجسد الراوي الجزيرة بصورة مادية ملفتة، إذ يتنقل داخل أجزائها ويصف الأودية والكوخين المتهدمين المحاطين بسور حجري طبيعي، خلفه يوجد جبل كبير، حيث تقع القصبة والسكان ودارة الحاكم الفرنسي والكنيسة. كما يوضح أن هذه الجزيرة تتعرض لأعاصير دوريّة تجعل الحياة فيها صعبة، لكن الاحتلال الفرنسي لم يمنعهم من السيطرة عليها.
اللغة والسرد في رواية الفضيلة
تبدأ الرواية بمشهد يجمع شابًا يجلس على صخرة، متأملاً الكوخين المتهدمين، حتى يأتي شيخ كبير يجلس معه ليشارك بعض الأخبار عن بلادهم المحتلة. يتحدث الشيخ عن سعادة الشعب البسيط على الرغم من فقره، لكن هذه السعادة قد زالت مع قدوم المستعمر الذي فرّق بينهم وأسقطهم في الاضطهاد.
ثم يروي الشيخ للشاب قصة الكوخين، موضحًا أنهما كانا مأوى لامرأتين، الأولى تدعى مارغريت، التي أنجبت ابنًا من علاقة غير شرعية، والثانية هي مدام دي لاثور، التي فقدت زوجها. قد جلبت المدامتان معهما معاناة متعددة، وقد كان الشيخ يعرفهما في شبابه.
السرد هنا هو سرد استرجاعي يعود إلى الماضي من خلال حديث الشيخ مع الشاب. وفيما يتعلق باللغة، يتميز أسلوب المنفلوطي بلغة فصيحة وواضحة، بعيدة عن العامية، وتتميز بجزالتها، بالإضافة إلى تأكيد على المصطلحات الدينية.
الحبكة في رواية الفضيلة
تسعى الرواية إلى توضيح قيمة الفضيلة في المجتمع الأوروبي في تلك الفترة. فقد كان الشرف والعرض يحظيان بأهمية بالغة لدرجة أن فقدانهما كان يدفع بالأفراد إلى مغادرة أوطانهم خجلًا. وهذا ما حدث مع كل من مارغريت ومدام دي لاثور، حيث كانت خسارتهما لشرفهما تعتبر جريمة في نظر المجتمع، ورأتا ما تعرضتا له من مآسي عقابًا على ابتعادهما عن الفضيلة.
تتطور الحبكة حول بول وفرجيني، ابني هاتين المرأتين، اللذين نشئا معًا وتطور بينهما رابط حب قوي شبيه بعلاقة الأشقاء، بعيدا عن العلاقات المحرمة وذلك لعدم اختلاطهما بالآخرين وعدم معرفتهما بالأخلاق السيئة.
تتناول الرواية أيضًا قضية العبودية، موضحةً معاناة السكان الأصليين نتيجة للاستعمار. حيث ينظر أهل الجزيرة إلى البيض كأعداء جلبوا لهم العبودية والموت، وتظهر هذه المعاناة بوضوح في قصة الخادمة الزنجية التي هربت من سيدها الذي عذبها، وعندما عادت إليه تعرضت للجلد حتى الموت.
قضية السعادة في رواية الفضيلة
من بين القضايا الهامة التي تناولتها الرواية هي قضية السعادة. يحاول الراوي التأكيد على أن السعادة ليست مرتبطة بالثروة أو المال، إنما تكمن في العيش بسلاسة بين أفراد يتبادلون المحبة ويعيشون في أمن بعيدًا عن مصاعب الحياة.
تكشف الرواية عن تحول حزن وبؤس مارغريت ومدام دي لاثور إلى سعادة غامرة بعد إيجادهما للروابط الحقيقية والإخلاص الذي لم تعثرا عليه مع عشيقيهما. كما وجدتا ابنين صالحين لم تفسد أخلاقهما وكانا سندًا لهما، بالإضافة إلى وجود أشخاص طيبين يساعدونهما في بدأ حياة جديدة بعيدًا عن عائلتيهما مثل العبدين والشيخ الجار.