تاريخ علم التخطيط
تم تأسيس علم التخطيط في النصف الثاني من القرن العشرين كاستجابة للدمار واسع النطاق الذي شهدته المدن الأوروبية نتيجة الحرب العالمية الثانية. لم يكن علم التخطيط مقتصراً فقط على إعادة إعمار ما دمرته الحروب، بل تم استخدامه كأداة علمية للتعامل مع القضايا المرتبطة بتدهور المناطق القديمة والتحديات المختلفة الناجمة عن الزيادة السكانية التي تؤثر سلباً على البنى التحتية. يعود التخطيط إلى العصور القديمة، إذ لم يكن من الممكن ظهور آثار الحضارات المختلفة عبر العالم دون التخطيط الجيد، حيث لا تزال العديد من المعالم التاريخية شاهدة على تلك التخطيطات الرائعة حتى يومنا هذا.
تعريف تخطيط المدن
يمكن تعريف تخطيط المدن على أنه مزيج من العلم والفن يهدفان إلى تنظيم واستخدام الأراضي بشكل فعال. يشمل ذلك إعداد خطط مناسبة لشبكات الطرق والشوارع داخل المدينة، لتحقيق أقصى درجات الفائدة وتحديد المواقع المناسبة للأنشطة المختلفة. كما يسعى التخطيط إلى اختيار المواقع المثلى للحد من الازدحام وتوفير المساحات اللازمة لتوفير الشعور بالجمال والراحة للسكان.
يُعد من الضروري تجنب النظرة التقليدية لتخطيط المدن التي تقتصر على الطرق فقط، لأن هذه النظرة لا تكفي لتحقيق رفاهية السكان ولا تضفي الجمالية على معالم المدينة، ولا تساهم في تسهيل الحركة المرورية.
أهمية تخطيط المدن
يهدف التخطيط الحضري إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، منها:
- تلبية الاحتياجات الإنسانية ضمن إطار قانوني.
- معالجة مختلف القضايا التي تواجه المدينة، مثل النقل والإسكان والخدمات الأساسية.
- تعزيز الشكل الجمالي للمدينة وتحسين مظهرها العام.
- توفير قاعدة ملائمة للنشاطات الإنسانية من خلال الحفاظ على الأراضي واستثمارها بشكل صحيح.
- تحقيق تنظيم مناسب ومتكامل لاستخدام الأراضي.
- تحديد المواقع الملائمة للأنشطة المختلفة داخل المدينة.
- تقليل المسافات لتعزيز التنقل السريع داخل المدينة.
أهداف تخطيط المدن
تتباين اهتمامات السكان بحسب الزمان والمكان والظروف الذاتية لكل مجتمع، ولهذا تعتبر هذه الاهتمامات والمتطلبات أساسية في تحسين جودة الحياة. كلما زادت الرغبات وتنوعت اهتمامات السكان، زادت التعقيدات والمشكلات. هنا يأتي دور التخطيط، حيث يحتاج إلى رؤية شاملة مبنية على دراسات دقيقة. تختلف أولويات التخطيط بناءً على المشاكل المتنوعة سواء على المستوى الإقليمي أو القومي، مما يساعد في تحديد الأهداف والطموحات المناسبة، بهدف تحقيق توازن فعال بين العمل والسكن والخدمات. الأهداف تشمل:
- تحسين البيئة لتوفير عناصر الاستقرار وتطوير الأنشطة الاقتصادية المتناسبة.
- توجيه الجهود التنموية في المجتمع لتحقيق الرفاهية والأمان.
- دراسة الطرق اللازمة لاستغلال الموارد المتاحة بشكل فعال بعيداً عن استنزافها.
- رفع مستوى المعيشة للسكان وتحقيق التوازن في المعايير المعيشية.
- توزيع الأنشطة السكانية والاقتصادية والخدمية بشكل يتماشى مع احتياجات المدينة.
- توفير الخدمات تماماً بما يتناسب مع الكثافة السكانية.
- تنظيم الأنشطة بما يضمن تعزيز الروابط بين مختلف الأنشطة في المدينة.
طرق إعداد تخطيط المدن
يتطلب إعداد أي خطط للتخطيط الحضري إجراء عدد من الدراسات الميدانية لفهم المدينة وإيجابياتها. وتنقسم هذه الدراسات إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
- القسم الأول: يشمل الدراسات الطبيعية التي تتناول العوامل الجغرافية والمناخية، بالإضافة إلى الهيكل العمراني للمدينة، ودراسة الارتفاعات وأنماط استخدام مواد البناء، فضلاً عن شبكات الطرق والمرافق العامة كالمياه والصرف الصحي والكهرباء. يتم توصيل هذه المعلومات في خرائط دقيقة تتناسب مع حجم المدينة.
- القسم الثاني: يركز على الدراسات الاجتماعية التي تتناول التركيبة السكانية، ونسب الجنسين، ومعدلات المواليد، وأحجام الأسر، والحالة الاجتماعية والتعليمية، إضافة إلى دراسة الخدمات الاجتماعية المتاحة مثل المستشفيات والمدارس والخدمات العامة.
- القسم الثالث: يتناول الدراسات الاقتصادية من حيث تحليل المقومات الاقتصادية في المدينة والمنطقة المحيطة بها، بما في ذلك الصناعات والتجارة والزراعة، ودراسة أثر المنشآت الاقتصادية وعدد العاملين فيها وحجم الاستثمار والإنتاج.
تخطيط المدن الإسلامية
تميز المسلمون في العديد من العلوم والمجالات خصوصاً خلال الفترات العريقة لتاريخهم، حيث أولوا أهمية خاصة لتخطيط المدن الإسلامية. وقد قدم الفكر الإسلامي أساساً مرجعياً لهذا التخطيط، الأمر الذي أسهم في التوسع العمراني وزيادة عدد المدن. هذا التطور امتد عبر قرون، مما ساهم في اتساع رقعة البلاد الإسلامية من وسط آسيا إلى غرب الأندلس، ومن شمال البلقان إلى وسط إفريقيا.
رافق انتشار الإسلام ازدهار الكثير من المدن الإسلامية، حيث تم توحيد الأنظمة والقوانين التي تنظم الحياة في هذه المدن، مما ساهم في استمرارية النمو الحضاري والتنمية في هذه المجتمعات.