تعريف تصحيح الحديث
مصطلح تصحيح الحديث يُشتق من الفعل “صحّح” الذي يعني في اللغة العربية: إصلاح أو إزالة الخطأ. وفي نظر علماء الحديث، يُعرّف تصحيح الحديث بأنه الحكم على الحديث النبوي الشريف بالصحة والقبول، شريطة أن تتوفر فيه شروط معينة حددها هؤلاء العلماء. وتختلف هذه الشروط من عالم لآخر، حيث أضاف بعضهم شروطًا جديدة أو قدّم بعضها على الآخر، مما أدى إلى اختلافهم في الحكم على بعض الأحاديث. وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح تصحيح الحديث لا يقتصر فقط على الحكم على الحديث بالصحة أو عدمها، بل يمتد أيضًا إلى عملية تلقّي الطلاب الحديث من شيوخهم، قراءة الأحاديث، ضبط كلماتها، والمقارنة بين النسخ المختلفة من الحديث للتأكد من صحتها.
شروط الحكم على الحديث بالصحة
من الضروري التعرف على الجهود التي يبذلها العلماء لتصحيح الأحاديث، وحرصهم على نقل ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لذا وضع المحدّثون شروطًا واضحة للحكم على الحديث بالصحة. تتعلق هذه الشروط بسند الحديث وسلسلة الرواة، وأخرى تتعلق بمتن الحديث (نصه)، وهي كالتالي:
- اتصال السند: يتطلب أن يكون كل راوٍ في سلسلة الرواة قد اتصل بمن قبله، واستمع منه الحديث. فإذا انقطع السند ولم يعرف من يسمع الراوي، يعتبر الحديث غير صحيح، لوجود احتمال الكذب أو الوضع.
- عدالة الراوي: يتعين أن يكون كل راوٍ عدلاً، أي أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً خالياً من الفسق والمخالفات. ويتحقق ذلك من خلال علم خاص وضعه علماء الحديث، وهو علم الجرح والتعديل.
- ضبط الراوي: يشير إلى قدرة الراوي على حفظ ونقل الحديث. فإذا اجتمعت العدالة والضبط، يعتبر الراوي ثقة. وإذا كان ضبطه كاملاً ولم يُعرف عنه الخطأ، يُحكم على حديثه بالصحة، أما إذا كان ضبطه ضعيفًا، يُعتبر الحديث حسنًا.
- عدم وجود الشذوذ: يجب أن لا يكون للحديث رواية أخرى تخالفه، فما دامت الروايتان تعارضان معنىً معينًا، فلا تصح رواية أحدهما حتى لو كان سندها صحيحًا.
- عدم وجود العلة القادحة: إذا كانت بعض الأحاديث تبدو متصلة بالرواة، لكنها تحوي انقطاعًا يؤدي إلى وهم أو زيادة أو نقص، لا تعتبر صحيحة.
بناءً على هذه الشروط، صنف العلماء الأحاديث. فإذا توفرت هذه الشروط مجتمعة، يُعتبر الحديث حجة ويُصنف عادة كحديث صحيح أو حسن، مما يعزز العمل به. أما إذا فقدت أحد هذه الشروط، يُعتبر الحديث غير صحيح أو ضعيف. وقد قام بعض العلماء مثل الإمام الترمذي بتصنيف بعض الأحاديث في كتبهم بعبارة “حسن صحيح”، مما يعني أن الحديث صحيح من جهة السند ولكنه حسن من جهة المتن.
من المهم الإشارة إلى أنّه بإمكان الحديث أن يكون صحيح الإسناد، ويمتلك رواته صفات الثقة، لكن قد يحتوي على علة أو شذوذ، وبالتالي فإن التصريح بكونه “صحيح الإسناد” لا يعني أنه صحيح بشكل مطلق. وكذلك الحكم على الحديث بالضعف لا يُثبت كذبه بالضرورة، حيث يمكن أن يصيب الراوي غير الثقة في بعض الأحيان. علاوة على ذلك، عدم قبول الحديث بسبب فقدان أحد الشروط لا يعني أنه موضوع أو مختلق.
طرق تصحيح الحديث عند العلماء
اتبعت العلماء عدة طرق لتصحيح الحديث الشريف، بما في ذلك:
- تصحيح الحديث عند تطابق سنده ومتنه مع شروط الصحة: يقوم العلماء بدراسة كل ما يتعلق بسند الحديث ومتنه ويتحققون من توفر الشروط المذكورة، ثم يحكمون عليه بالصحة إذا كانت الروايات موثوقة.
- التصحيح العقلي: وهو مبدأ عمل به الصحابة -رضي الله عنهم- بالنظر إلى توافق الحديث مع اصول الدين، واعتمد عليه علماء الحديث كذلك في جوانب متعددة.
- تصحيح الحديث المُعتمد من العلماء: هذا يعني أن الحديث يعاني من ضعف، لكن لو تلقاه العلماء بالقبول، فإن ذلك يعزز مكانته.
علماء أصول الفقه اتبعوا مبدأ الترجيح عند تعارض أكثر من خبر، ويقولون العمل بما يتوافق مع آيات القرآن.
- تصحيح الحديث عند توافقه مع الحقائق العلمية: عندما يتوافق الحديث مع فعلية طبيعية مثبتة، يعزز ذلك من مصداقية الحديث.
- تصحيح الحديث لموافقته الأصول: بعض المحدثين يرون أن الحديث يمكن أن يكون صحيحًا إذا توافق مع أصول الشريعة الإسلامية.
- تصحيح الحديث في الأمور التي تحتاجها العامة: الكثير من العلماء يقبلون الحديث الأحاديث الأحاد التي تم تأكيد صحة سندها حتى لو كانت تخالف أشياء شائعة.
أما عن الحنفية، فلم يقبلوا خبر الواحد في المسائل التي تتطلب المعرفة الجماهيرية.
الشروط التي يجب توافرها فيمن يقوم بالتصحيح
شروط من يقوم بتصحيح الحديث
تصحيح الأحاديث هو عملية دقيقة تتطلب معرفة عميقة بأطراف مختلفة من علوم الحديث، لذا يشترط توفر ما يلي:
- معرفة واسعة بعلوم الحديث، خاصة في علم الجرح والتعديل لتقييم الرواة.
- إلمام بطرق تخريج الأحاديث والمصطلحات الخاصة بالمحدثين.
- معرفة بعلم أصول الفقه للتعامل مع تعارض الأدلة.
- قدرة عالية على الحفظ وجودة الفهم لتفاصيل الحديث.
- التنقل والبحث في أماكن متعددة للحصول على الفهم الأرقى وتحسين المعرفة بالأحوال المختلفة للرواة.
تصحيح الحديث بالنسبة للمتأخرين
يعتقد بعض المحدثين مثال ابن الصلاح أنه يجب الاقتصار على علماء الحديث المتقدمين في تصحيح الأحاديث، بينما الإمام النووي يعتبر أن التصحيح ممكن في كل العصور لكل من تتوفر فيه شروط الصلاح. وقد دعمت عدة آرائها مثل ابن حجر والمحدثين الآخرين هذه الفكرة.
أسباب اختلاف العلماء في تصحيح الحديث
تنوع آراء العلماء في تصحيح الحديث يعود لعدة أسباب تشمل:
- تصحيح الحديث يعتمد على اجتهاد العلماء ويمكن أن يختلف من عالم لآخر.
- تعدد أسانيد الأحاديث، مما يسهل الاختلاف حول صحتها.
- قد تكون بعض الأحاديث غير مثبتة عند بعض المصححين، أو لم تصل إليهم.
- اشتراطات مختلفة لوضع الثقة في الرواة.
- تباين الآراء حول دلالة الأحاديث وفهمها.
- نسيان بعض الرواة للأحاديث وأبارت تفصيلها.