ما هي الغيبة؟
الغيبة تُعرف لغويًا بأنها الاغتياب، وتُشتق من الفعل (غ ي ب) الذي يدل على الستْر. في الأصل، تُشير إلى شيء يتستَّر عن الأنظار، ومن ذلك مفهوم الغيب، وهو ما هو غائب عن الناس ويعلمه فقط الله تعالى. يُقال: غابت الشمس أي تغيب، وكذلك غاب الرجل عن بلده، في حين يُستخدم مصطلح “مغيبة” لوصف المرأة التي يغيب عنها زوجها. تُشير الغيبة في السياق الاجتماعي إلى التحدث عن الناس بغيابهم بطريقة تثير استياءهم. وقد جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).
تستخدم تعبيرات متعددة لوصف الغيبة. فعندما يُقال: “اغتاب فلانٌ فلاناً”، يعني أن الشخص ذكر شيئًا يعيب الآخر به. ويشير ابن الأعرابي إلى أن الغيبة قد تتضمن الحديث عن الآخرين بسوء أو بخير، ولكن في الاصطلاح، تُفهم على أنها ذكر الآخرين بسوء، كما عرّفها الجرجاني. وذكرت المناوي أن الغيبة هي الإشارة إلى العيوب بشكل خفي، بينما عرفها الكفوي على أنها الكلام خلف إنسان مستور بطريقة سلبية. إضافة إلى ذلك، وفقًا للتهانوي، تتضمن الغيبة ذكر الآخرين بأمور يكرهونها إذا علموا بها، وقد تكون هذه الأشكال من الغيبة عبر الإشارة أو الحركة، وليس فقط باللسان.
تعني الغيبة ذكر شخص بشيء يكرهه سواء في جوانب دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو ماله. فقد يُشار إليه بصفات سلبية مثل الفساد، الغفلة، أو كثرة الكلام، كما يمكن أن تشمل الإعابة في الشكل مثل الطول أو القصر، أو في الصفات الأخرى كالأخلاق والدين، أو حتى في مظهره الشخصي مثل ملابسه أو بيته أو مركبته. كما يمكن أن تتم الغيبة عن طريق الكتابة أو الإشارات أو محاكاة الحركة.
أحكام الغيبة
تُعتبر الغيبة من الأمور المحرّمة، ويُعد المُستمع إليها شريكًا في الإثم ما لم يُنكرها بفعل أو بلسانه. كما أنه إذا تمكن من قطع الغيبة بكلامٍ آخر، يجب عليه القيام بذلك. ومن أشهر الآيات التي تُثبت حرمة الغيبة قوله تعالى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ). وقد جعل النبيّ محمد -عليه الصلاة والسلام- تعريف المسلم الحق هو من سلم الناس من لسانه ويده.
جاء في حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عند الإشارة إلى عقوبة المُغتاب: “لَمَّا عُرِجَ بي مررت بقومٍ لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فسألت جبريل: من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم”. وقد أجمع العلماء، كما نقل الإمام القُرطبي، على حرمة الغيبة واعتبارها من الكبائر التي تجب التوبة منها. exemplifying the seriousness of this act. ختم الله الآية باسم التواب والرحيم؛ لأنّه يقبل توبة المغتابين المتقين. يختلف شدة الغيبة حسب الأذى الذي تسببه، وقد جعَلها النبي -صلى الله عليه وسلم- مماثلةً لسرقة المال.
الأسباب المؤدية إلى الغيبة
تتعدد الأسباب التي قد تدفع الشخص إلى الانغماس في الغيبة، ومنها:
- الرغبة في التشفّي من الآخرين أو مجاملة الأصدقاء، إلى جانب الفراغ المتزايد، الحسد، وغرور النفس.
- عدم خوف المُغتاب من الله عز وجل، وهي من أعظم المحفزات للغيبة.
- الشعور بالتفوق من خلال انتقاص الآخرين.
- تحمل المزاح واللعب بمواضيع الغيبة.
- الرغبة في إظهار المعرفة عن الآخرين ومواقفهم.
وسائل تساعد على ترك الغيبة
توجد عدة طرق يمكن أن تعين المسلم على الامتناع عن الغيبة، ومن بينها:
- التوفيق من الله تعالى واللجوء إليه، مع التركيز على عيوب النفس والاعتراف بخطورة الغيبة.
- الانشغال بما هو مفيد، كقراءة القرآن وتجنب المجالس التي تتحدث عن الغيبة.
- استذكار الآثار السلبية للغيبة، وتعويد اللسان على ذكر الله.
- معالجة الأسباب التي تؤدي للغيبة، كالحسد والغطرسة.