فهم مفهوم الإيمان

تعريف الإيمان من الناحية اللغوية والاصطلاحية

يُعرف الإيمان في اللغة على أنه التصديق المطلق، بينما في الاصطلاح يرمز إلى تصديق القلب وتقبله الشامل لكل ما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-. وقد جعل الله -تعالى- الشهادتين دليلاً ظاهراً على الإيمان، حيث يتم استناد أحكام الإسلام على الشخص المؤمن، مثل الصلاة عليه وصحة التوارث منه وغيرها من الأحكام.

أركان الإيمان

يتكون الإيمان من ستة أركان، وهي كالتالي:

  • الإيمان بالله -تعالى-، الذي هو واحد لا شريك له، لذا يجب عدم قرن أي شيء به في العبادات أو التشريعات.
  • الإيمان بالملائكة، باعتبارها مخلوقات نورانية خلقها الله لتنفيذ أوامره.
  • الإيمان بالكتب، وتشمل التوراة والإنجيل والزبور بالإضافة إلى القرآن الكريم الذي يُعتبر أفضلها.
  • الإيمان بالرسل، وآخرهم النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-.
  • الإيمان باليوم الآخر، الذي هو يوم القيامة حيث يحاسب الإنسان على أعماله.
  • الإيمان بالقضاء والقدر، سواء كان خيراً أو شراً؛ لأنه من قدر الله -تعالى- ويتم وفق حكمته ومشيئته.

الإسلام والإيمان والإحسان

يمتاز الدين الإسلامي بمراتبه ودرجاته، ومن هذه المراتب الإسلام، الذي يعني الاستسلام لله -تعالى-، وتوحيده وطاعته، والبراءة من الشرك وأهله. إذا فقد أي من هذه الصفات، فإن الشخص يعتبر غير مسلم. وتتبع هذه المرتبة مرتبة الإيمان، والتي تم تعريفها سابقًا، ثم نصل إلى مرتبة الإحسان، والتي تعني تحسين علاقة العبد بخالقه في العبادة. وقد عرّف النبي -عليه الصلاة والسلام- الإحسان بقوله: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك.”

الإسلام

يُعرّف الإسلام في اللغة بأنه الاستسلام والانقياد، وفي الاصطلاح يُفهم على أنه الاستسلام لأوامر الله -تعالى- طواعية أو كراهية، حيث قال -سبحانه-: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).

أما أركانه فهي مستندة على حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-: “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.” حيث تتضمن الشهادتين إخلاص العمل لله -تعالى- وموافقته لشرعه، تليها إقامة الصلاة بجميع واجباتها وشروطها، ثم إيتاء الزكاة وصرفها لمستحقيها، وبعدها تأتي مرحلة صوم رمضان، وأخيرًا حج البيت.

الإحسان

الإحسان هو مراقبة العبد لربه في جميع أحواله، سواء في السر أو العلن، والسعي لفعل الخير مع اتخاذ النية نحو الله -تعالى- في كل الأمور. يتمثل الإحسان في إخلاص الأعمال لله وفعل ما يحبه وأداءه بالشكل الأمثل، بدليل قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا).

زيادة الإيمان ونقصانه

يزيد الإيمان من خلال طاعة الله -تعالى- وينقص بعصيان أوامره. وهناك العديد من الأدلة التي تؤكد ذلك، مثل قوله تعالى: (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا)، حيث أن زيادة الإيمان تشير إلى البعد عن الشك والشبهات، بينما النقص يكون مرتبطًا بالشك فيها. وكان أبو بكر -رضي الله عنه- واحداً من أقوى الأشخاص إيمانًا.

حلاوة الإيمان

يمتلك الإيمان حلاوة وطعماً يُشعر به القلب، كما أن للأكل طعماً. يعتبر الإيمان غذاءً للقلب كما أن الغذاء يعزز البدن. ولا يذوق الإنسان حلاوة الطعام عند مرضه، ولا يصل لحلاوة الإيمان إذا كان قلبه مريضًا، بل قد يفضل ما يضره.

تتواجد أدلة متعددة توضح الصفات التي يمكن أن تساعد في الوصول إلى هذه الحلاوة، ومنها قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: مَن كانَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِواهُما، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ منه، كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ.

وهذا يتحقق من خلال تقديم أوامر الله ورسوله على ما سواهما، ومحبّة الآخرين، خصوصاً الوالدين، نظراً لما جاء في توجيهات القرآن، بالإضافة إلى التحلي بالأخلاق الحميدة، حيث تساعد هذه الصفات على تعزيز الإيمان التام بقدرة الخالق، وأنه الوحيد المعطي المانع.

قوة الإيمان وأسبابها

توجد عدة أسباب تعزز الإيمان وتقويه، منها:

  • المعرفة، حيث تتعلق بمعرفة الله -تعالى- وأسمائه وصفاته، وسيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وكل ما جاء به، كما ورد في قوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).
  • العبادة، حيث ترتبط بجعل الطاعات أكثر ومُستديم، والابتعاد عن المعاصي للوصول إلى التقوى واليقين.
  • الذكر والتفكر، وفقًا لقوله تعالى: (الَّذينَ آمَنوا وَتَطمَئِنُّ قُلوبُهُم بِذِكرِ اللَّـهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ)، ويكون التفكير في آيات الله، وعقابه، وإحسانه لخلقه بالرغم من بُعدهم عنه.
  • الهدوء الحكيم، من خلال تقليل الكلام غير النافع، وليس الصمت عن الباطل وقول الحق، كما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-” ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ).
  • السير في الأرض، لأخذ العبرة والعظة، وقد تم ذكر العديد من الآيات التي تدعو للسير والتفكر، مثل: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
  • المشاركة في الأعمال الخيرية الجماعية، لأن ذلك يزيد من الإيمان والطاقة الروحية.
  • الدعاء، حيث يتضمن طلب الهداية من الله -تعالى-.
  • الاستماع لتلاوة القرآن الكريم بخشوع وطمأنينة، كما ورد في قوله تعالى: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ).
  • الحضور في الصوم، بفضل إبعاد الجوارح عن المعاصي.
  • الصحبة الصالحة، كما ورد في قوله تعالى: (وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا).
  • التحلي بالأخلاق الفاضلة.

علامات قوة الإيمان

تتجلى قوة الإيمان في عدة علامات، منها:

  • الاستسلام للشرع والانقياد السريع له؛ حيث أشار الله -تعالى- في كتابه إلى آثار الإيمان، مثلاً: (إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
  • اليقين الكامل بالله -تعالى- بأنه الخالق والرازق، وأنه وحده يمتلك القدرة، كما قال -سبحانه-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
  • مقاومة وساوس الشيطان التي قد تدفع الإنسان إلى الشك؛ حيث يلجأ المؤمن إلى ربه للعبور بتلك الوساوس.
  • المحبة في الله -تعالى- والشعور بالأخوة الإيمانية، حيث يحب الناس كما يحب أهله ويتمنى لهم الخير كما يتمنى لنفسه.
  • البغض لأعداء الله -تعالى- والابتعاد عنهم، وهذا يعكس الولاء لله ونصرته، مع حب أهل الطاعة.
  • التخلق بالأخلاق الحميدة، حيث يدفع الإيمان صاحبَه للأخلاق الجيدة ويسعى بعيداً عن الأخلاق المرفوضة.
  • الثبات في وجه الفتن، كما قال -تعالى-: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ).

ضعف الإيمان وأسبابه

هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى ضعف الإيمان، منها:

  • البعد عن الأجواء الإيمانية لفترات طويلة، كما ورد في قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ).
  • الابتعاد عن القدوة الصالحة، حيث تساهم القدوة في تعليم العلم والعمل مما يعزز الإيمان.
  • الانغماس في الدنيا حتى يصبح الإنسان عبداً لها، مع الانشغال برعاية الزوجة والأبناء وتقديمهم على طاعة الله -تعالى- ورسوله.
  • الأمل الطويل، مما يؤدي إلى الكسل وحب الدنيا وتأجيل الأعمال الصالحة.

أثر الإيمان على الفرد والمجتمع

للإيمان فوائد عديدة تنعكس على الفرد والمجتمع، ومنها:

  • توفر الطمأنينة والسعادة، كما ذكر في قوله تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
  • الشجاعة وعدم الخوف إلا من الله -تعالى-، حيث يعلم المؤمن أن كل شيء بيد الله.
  • الاستقامة والتقوى؛ بسبب مراقبة المؤمن لخالقه.
  • التحرر من العقائد والأفكار الضالة والثقة في العلم والإيمان.
  • السير نحو الله -تعالى- والتمسك بذلك في السراء والضراء، حيث قال النبي -عليه السلام-: “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ”.
  • الوحدة والاتفاق بين المؤمنين، نتيجة لما يجمع بينهم من إيمان بالله والنبي ووحدة القِبلة والطاعة.
  • المحافظة على النفس والمال من الفساد، من خلال البعد عن المحرمات.
  • الحرص على الأعمال النافعة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ).
  • الشعور بالعزة نتيجة معرفته بأصله وخلقه.
  • إدراك عظمة الخالق وقوته، من خلال التعرف على صفاته ومخلوقاته.
  • المشاركة الفعالة للفرد في المجتمع والصالح العام، مما يجعله بعيدًا عن الفقر والحاجة.
  • الدعوة إلى التحصيل العلمي وفهم العوالم من حوله، بما في ذلك أصل الإنسان ووجوده ومصيره.
  • تعزيز الأخلاق الرفيعة. وقد تم ذكر العديد من الأدلة التي تربط بين الإيمان والأخلاق.
Scroll to Top