تعريف حركة الإصلاح الديني في القارة الأوروبية

مفهوم حركة الإصلاح الديني في أوروبا

يشير مصطلح حركة الإصلاح الديني، المعروف أيضًا بالإصلاح البروتستانتي، إلى الثورة الدينية التي حدثت في “الكنيسة الغربية” خلال القرن السادس عشر، حيث يُعتبر مارتن لوثر وجون كالفين من أبرز الشخصيات التي قادت هذه الحركة. وقد تركت هذه الثورة آثارًا سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، وأصبحت أسسًا لتشكل البروتستانتية، التي تُعد واحدة من الفروع الرئيسية الثلاثة للدين المسيحي.

انطلقت حركة الإصلاح البروتستانتي من ألمانيا، في 31 أكتوبر 1517، عندما قام المعلم والراهب مارتن لوثر بنشر وثيقة تحمل عنوان “نزاع حول قوة الانحلال” أو “القضايا الـ95”. وقد اشتملت هذه الوثيقة على 95 فكرة تتعلق بالمسيحية، داعيًا الناس لمناقشتها والتأمل فيها، حيث كانت هذه الأفكار جدلية نظرًا لتعارضها صراحة مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية.

طالت تصريحات مارتن لوثر دور الكنيسة الكاثوليكية كوسيط بين البشر والله، وبخاصة فيما يتعلق بنظام التساهل والانحلال الذي أتاح للأفراد شراء شهادات عفو تُعرف بـ “صكوك الغفران” عن خطاياهم. وقد عارض لوثر هذه الممارسة، مؤكدًا أن الخلاص هو هبة من الله تُمنح للمؤمنين الحقيقيين.

العوامل التي أدت إلى الإصلاح الديني في أوروبا

تعددت الأسباب التي دعت إلى الإصلاح الديني في أوروبا، وأبرزها:

العوامل الدينية

واجهت الكنيسة في فترة ما قبل الإصلاح العديد من الممارسات الفاسدة التي أثرت سلبًا على سمعتها وطبقات رجال الدين. فقد ساد الفساد في جميع أرجاء المؤسسة الكنسية، من البابا إلى الكاهن، حيث تم إهمال الأبرشيات والتركيز على الأنشطة السياسية. كما جمع بعض رجال الدين ثروات طائلة وعيشوا حياة الرفاهية.

استخدم رجال الدين مناصبهم كوسيلة لجني الأرباح، من خلال ابتكار شتى الممارسات مثل بيع المناصب الكنسية بشكل علني وتعيين أشخاص غير مؤهلين ككهنة. كما قاموا بصياغة “صكوك الغفران” مقابل مبالغ مالية، مما أثار انتقادات قاسية اعتبرت أنه “بيع ترخيص لارتكاب الخطيئة”.

العوامل الاقتصادية

ساهم ظهور الطبقة الوسطى بشكل كبير في دفع حركة الإصلاح الديني، حيث اعترضت هذه الطبقات على الهيمنة والممارسات التقليدية للكنيسة، التي كانت تخضع للسيطرة العليا وتعمل لصالحها. كان الأفراد من الطبقة العليا ينظرون إلى الحرفيين والتجار والمحامين والأطباء الذين شكلوا الطبقة الوسطى باحتقار، ورفضوا الاختلاط بهم.

علاوة على ذلك، كانت الطبقات الوسطى تشعر بالاستياء بسبب إعفاء النبلاء من الضرائب بينما كانت تتحمل العبء الأكبر. باختصار، سعت هذه الطبقات لتخليص الكنيسة من سيطرة الطبقة الأرستقراطية الغنية التي نظرت إلى مصالحهم باحتقار.

العوامل السياسية

تزامن ظهور الدول القومية والملوك الجدد مع حركة الإصلاح، حيث كانت هناك رغبة ملحة لدى بعض الملوك مثل هنري الثامن لتعزيز سلطتهم المطلقة. كانوا يرون في وجود كنيسة قوية تهديدًا لسلطتهم لأنها كانت تمتلك نفوذًا عظيمًا خارج سيطرة الملك، كما كانت ممتلكات الكنيسة معفاة من الضرائب.

كان الأساقفة يقضون وفق القانون الكنسي وليس وفقًا للقوانين الزمنية، مما ساهم في تفاقم الاستياء لدى الملوك جراء تحويل العائدات الضخمة إلى الخزانة البابوية. لذا، استغل هؤلاء الملوك الفرص التي قدمتها تعاليم لوثر وويكليف لتحدي سلطة الكنيسة ولتعزيز سلطاتهم السياسية.

Scroll to Top