تفسير آية (ادخُلوا مِصرَ إِن شاءَ اللَّـهُ آمِنينَ)
تفسير الآية الكريمة وفقًا لابن سعدي
تشير هذه الآية المباركة إلى نبي الله يعقوب -عليه السلام- حين قرر هو وأبناؤه الهجرة من وطنهم، متوجهين إلى مصر بهدف الوصول إلى نبي الله يوسف -عليه السلام-. وعندما وصلوا إلى المكان المحدد ودخلوا على يوسف -عليه السلام-، استقبلهم بحفاوة وعطف، حيث احتضنهم وأظهر لهم محبته ورعايته.
وأعلن يوسف -عليه السلام- لذويه: (ادخُلوا مِصرَ إِن شاءَ اللَّـهُ آمِنينَ)، مما يعني أنهم سيغمرون في شعور بالاطمئنان والثقة بأن لا خطر سيواجههم. وعليه، دخلوا في حالة من السعادة والفرحة، حيث تلاشت همومهم ومشاكلهم، وحل محلها السكينة والثقة.
تفسير الآية الكريمة وفقًا للقرطبي
يُروى أن يوسف -عليه السلام- أرسل مع البشير مئتي راحلة لاستقبال يعقوب وأسرته، وعندما وصلوا إلى مصر، دخلوا على يوسف في قصره الذي كان يتواجد فيه مع والديه (أبيه وخالته). تولى يوسف احتضانهم بعد أن توفيت والدته أثناء ولادة أخيه بنيامين، ويُقال أن الله أعادها للحياة لتسجد ليوسف تأكيدًا لرؤياه.
وعندما قال يوسف لعائلته (ادخُلوا مِصرَ إِن شاءَ اللَّـهُ آمِنينَ)، كان يقصد أنه سيتوجه إلى ربه بالاستغفار لهم إن شاء الله. وقد قيل إن استخدام “إن شاء الله” كان للتبرك وتشجيعهم على الاستمرار في العيش بأمان بعيدًا عن مضايقات الجفاف والخوف، إذ كان الناس يتخوفون من ملوك مصر ولا يدخلونها إلا عبر حماية.
تفسير الآية الكريمة في كتاب تفسير الوسيط
جاءت بشارات وأخبار مفرحة تتعلق بما رآه نبي الله يوسف -عليه السلام- في منامه في صغره، وتمت ترجمة تلك الرؤى عبر تفسير نبي الله يعقوب. فقد تقرر سفر يعقوب وأبنائه إلى مصر لرؤية يوسف، حيث انتهى بهم الأمر إلى جمع شتات الأسرة، إذ استجاب إخوته لنداء يوسف حين قال لهم: (اذهَبوا بِقَميصي هـذا فَأَلقوهُ عَلى وَجهِ أَبي يَأتِ بَصيرًا وَأتوني بِأَهلِكُم أَجمَعينَ). وهكذا، هاجروا جميعًا إلى مصر مع والدهم.
وعند وصولهم إلى مصر ودخولهم على يوسف، احتضن يوسف -عليه السلام- أبويه، وأعلن للجميع (ادخُلوا مِصرَ إِن شاءَ اللَّـهُ آمِنينَ) من الجوع والخوف والتهديد. وقد نقل الطنطاوي عن المفسرين أن يوسف والأشخاص ذوي النفوذ في مصر قد خرجوا لاستقبال يعقوب وعائلته عند وصولهم.
وتجدر الإشارة إلى أن المقصود بأبويه في هذه الآية هما والده وخالته، حيث إن والدته توفت في صغره. وقد أشار الطنطاوي إلى رواية ابن جرير التي تُفيد بأن والدته لازالت على قيد الحياة، وإن لم توجد أدلة قاطعة على وفاتها، مما يوحي بأن القرآن يشتمل على دلالات على حياتها. وأوضح الطنطاوي أن المعنى الأعمق لدخول مصر هو السكن والاستقرار بها، حيث يُعتقد أن عدد أفراد أسرة نبي الله يعقوب -عليه السلام- الذين هاجروا معه إلى مصر كان يتراوح ما بين ثمانين إلى تسعين فردًا.