تعريف القياس في الفقه الإسلامي
يعتبر القياس أحد المصادر الأساسية للتشريع في الإسلام. وفيما يلي تعريف القياس:
- القياس لغويًا: يعني التقدير أو الوزن.
- القياس اصطلاًحًا: هو إلحاق حكم الأصل بالفرع نظراً لوجود علة مشتركة بينهما، مثل قياس حكم النبيذ -وهو الفرع الذي لم يُحدد له حكم- على حكم الخمر -وهو الأصل المتواجد فيه الحكم-؛ إذ يشتركان في العلة وهي الإسكار، مما يؤدي إلى أن النبيذ يتبنى نفس حكم الخمر وهو التحريم.
أركان القياس
تتكون عملية القياس من عدة أركان، نعرضها كما يلي:
- الركن الأول: الأصل
وهو الحكم أو النص المرجعي الذي يُستند إليه في القياس.
- الركن الثاني: الفرع
وهو المسألة التي يتم محاولة إلحاقها بالأصل.
- الركن الثالث: حكم الأصل
وهو الوصف الذي سيتضمنه حكم الفرع بناءً على القياس.
- الركن الرابع: الوصف
وهو الذي يربط بين الفرع الذي يُراد قياسه والأصل، ويُعرف أيضاً بالعلة.
حجية القياس
القياس يُعتبر حجة وفقًا لإجماع العلماء، فقد اتفق أكثر الفقهاء، وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين من بعدهم على حجيته.
قال الآمدي: “وهذا رأي السلف من الصحابة والتابعين، والشافعي، وأبو حنيفة، ومالك، وأحمد بن حنبل، ومعظم الفقهاء والمتكلمين”. بينما خالفهم في ذلك الظاهريون، حيث أنكروا حجية القياس.
تشير حجية القياس إلى الالتزام بالأخذ به والعمل بموجبه في الشريعة الإسلامية، ويتوجب ذلك على المجتهد والمقلد. وذكر الفخر الرازي: “المقصود من قولنا إن القياس حجة هو أنه إذا تحقق الظن بأن حكم هذه الصورة مماثل لحكم تلك الصورة، فإنه يكون ملزماً بالعمل به والأفتاء للآخرين.”
يدلل الأصوليون على أن القياس حجة يجب العمل بها، مستندين إلى آيات من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع والعقول، وأقوى هذه الأدلة هو ممارسة الصحابة، حيث تم التوافق بينهم على الاعتراف بحجيته وتطبيقه في المسائل التي لم يكن فيها نص محدد، وبالتالي تكررت هذه الأحكام بينهم دون إنكار.
شروط القياس
لصحة القياس واعتباره شرعاً، يجب توافر مجموعة من الشروط، نوضحها فيما يلي:
- وجوب ثبوت حكم الأصل بدليل شرعي من القرآن، أو السنة، أو من خلال الإجماع، وأن يكون هذا الدليل صحيحًا وغير منسوخ.
- أن يكون الحكم مقيسًا عليه معقول المعنى، فلا يمكن نقل الحكم عن مسألة غير مفهومة المعنى، مثل عدد ركعات الصلاة التي تم تحديدها من قبل الله -تعالى- لحكمة غير معلومة.
- ضرورة وجود الوصف في الفرع بصورة كاملة، ويجب أن يثبت وجود نفس الوصف الموجود في الحكم، أو أن تكون الاحتمالية كبيرة بوجود العلة في الفرع.
- عدم وجود نص يتعارض مع حكم الفرع مقارنة بحكم الأصل، حيث يكون القياس غير صحيح إذا كان مخالفاً للنص.
- تساوي الحكم في الفرع مع حكم الأصل، فلا يجوز قياس مكروه على محرم، أو واجب على مندوب، لعدم تساويهما في الحكم.
- ضرورة أن تكون علة الحكم قابلة للتطبيق، فالعلة الضيقة لا تُعتبر في القياس.
- يجب أن تكون العلة مثبتة وفق قاعدة من قواعد العلة، أي بناءً على نص.
- موافقة العلة للنص والإجماع في حالة كونها مستنبطة.
- ضرورة أن تكون العلة تحمل صفة مناسبة لترتيب الحكم عليها في حالة كونها مستنبطة.
- يجب أن يكون القياس مرتبطًا بالأحكام الشرعية العملية، فلا يجوز القياس في مسائل العقيدة أو التوحيد إذا كان سيؤدي إلى إحداث بدعة أو تعطيل الأحكام.
أنواع القياس
أعطى العلماء اهتمامًا خاصًا للقياس لأنه أحد مصادر التشريع، كما أن له أنواع عديدة، نوضحها فيما يلي:
- قياس الأولى
حيث تكون نتيجة القياس أعظم من الأصل، مثل قياس ضرب الوالدين على الإيذاء.
- القياس المساوي
حيث يتساوى حكم الفرع مع حكم الأصل، مثل قياس إحراق مال اليتيم على أكله.
- قياس الدلالة
حيث يتوافق الأصل والفرع في العلة، ولكن التوافق ليس واضحًا.
- قياس الشبه
حيث يشترك الأصل والفرع في صفات معينة، مثل إمكانية اعتبار العبد نموذجًا للجمل لكونهما مملوكين، أو اعتباره مشابهًا للرجل الحر بسبب الإنسانية.
- القياس الجلي
وهو الذي تظهر علته بوضوح للسامع منذ البداية، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: “لا يقضي القاضي وهو غضبان”، حيث يمكن قياس كل ما يؤثر على التفكير مثل الجوع أو العطش.
- القياس الخفي
حيث يكون هناك تباين حول العلة بسبب عدم الثقة في تحديدها، مثل قياس الأرز على البر لاشتراكهما في كونهما عنصراً غذائياً.
- قياس الطرد
وهو قياس تكون فيه العلة مستمرة في أي زمان ومكان.
- قياس العكس
وهو الذي يتعارض مع الحكم، بحيث يتم القياس على الحكم عند حدوث العكس، مثل الاستدلال بآية (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) لإثبات صحة القرآن الكريم بنقض نقيضه.