مفهوم الاستنباط في علم الفقه

مفهوم الاستنباط في الفقه الإسلامي

قال الله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، وهذا يعني أن الأفراد القادرين على تفسير وتفصيل النصوص الشرعية هم العلماء الذين يُعتبرون أولي الأمر في تلك المجالات. وقد أشار الله من خلال هذه الآية إلى مكانة العلماء ودورهم في استنباط الأحكام الشرعية باستخدام اجتهادهم وعلمهم.

تعريف الاستنباط لغةً

الاستنباط يشتق من الفعل “استنبط”، والذي يعني البحث عن الماء عند حفر البئر أو استخراج العيون. وقد تداخل المعنى لاحقاً ليشمل أي استخراج يتطلب جهداً، سواء كان ذلك مائياً أو معرفياً يتعلق بالقلوب والمعاني.

تعريف الاستنباط اصطلاحاً

يعبر عن استنباط الفقيه بكونه عملية استخراج الفقه والمعرفة الباطنة من خلال فهمه واجتهاده. ويشير ابن القيم، رحمه الله، إلى الاستنباط بأنه “استخرج الشيء الثابت والخفي الذي لا يدركه الجميع”. بينما يعرفه الإمام النووي، رحمه الله، بأنه “استخراج المعاني المخفية من الألفاظ”، مما يمكننا من تعريف الاستنباط أيضاً بأنه “استنباط المعاني والأحكام والفوائد الخفية من النصوص القرآنية بطريقة صحيحة”.

يتضح من التعريفات السابقة أن الاستنباط يشكل عملية فكرية يقوم بها المجتهد الفقيه، حيث يستخدم قدراته العقلية في فهم النصوص الشرعية بشكل عميق.

وليستخرج الأحكام الشرعية التي تتعلق بمقاصد تلك النصوص، ومن المهم الإشارة إلى أن الحكم المذكور في نص واضح وبيّن مثل قوله تعالى في حل البيع (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) لا يُعتبر استنباطاً لكونه واضحاً.

ويزداد الموضوع وضوحاً حين نلقي نظرة على العلاقة بين المعاني اللغوية واصطلاح الاستنباط، إذ يحتاج طالب الماء إلى جهد لاستخراج الماء، بينما يُظهر الفقيه المجتهد حرصه وذكاءه لاستخراج الحكم الشرعي من النصوص، سواء كان ذلك من خلال إدخال مفهوم خاص ضمن نطاق مفهوم عام أو تخصيص القاعدة العامة بعلة تتطلب ذلك وفق ضوابط معينة.

دور الاستنباط في الفقه الإسلامي

تتجلى أهمية الاستنباط في الفقه الإسلامي من خلال عدة جوانب، ومنها ما يلي:

  • تعميق فهم القرآن والسنة النبوية

فالاستنباط يعكس التدبّر العميق للنصوص القرآنية والسنة، مما يساهم في استخراج معانيها للمجتمع والاستفادة منها.

  • تحقيق العدالة في تفسير النصوص الشرعية

يؤدي الاستنباط إلى إعطاء النصوص حقوقها من التفكير والتأمل، وهو ما يؤكد عليه معظم القائمين على تفسير النصوص الشرعية.

  • فتح آفاق المعرفة

يمكن الاستنباط الفقيه من الوصول إلى مراتب علمية رفيعة بفضل اجتهاده، كما جاء في قوله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

  • أداة حيوية لمواجهة المستجدات

يعتبر الاستنباط الأداة الرئيسية للتعامل مع القضايا الجديدة والنازلة، حيث يتيح للفقيه استنباط الأحكام الشرعية المناسبة من النصوص ذات الصلة.

  • إظهار مزايا الشريعة

يسهم كل ما ذُكر في إبراز مكانة الشريعة الإسلامية كمنهج حياتي ملائم لجميع الأزمنة والأماكن، حيث تعد والمبادئ الإسلامية الأساس لتحقيق العدالة والحكمة في مختلف الظروف.

Scroll to Top