سبب نزول الآية
روى جابر -رضي الله عنه- أن اليهود كانوا يقولون: “إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول”. وقد أنزل الله تعالى الآية: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ).
تفاصيل القصة توضح أن اليهود كانوا يحرمون إتيان المرأة في قبلها، وتأثرت بذلك بعض نساء الأنصار، مما أدى إلى اعتقادهن بتحريم ذلك. وعندما هاجر الصحابة من مكة وتزوجوا من الأنصاريات، أرادوا اتباع عادتهم، لكن النساء الأنصاريات امتنعت عن ذلك بسبب اعتقاد التحريم. وعندما أُبلغ رسول الله بالأمر، نزلت الآيات التي أكدت على عدم التحريم وأجازت ذلك، ما دام الجماع يقع في القبل، مبطلةً مزاعم اليهود.
معنى الآية
تتناول هذه الآية سياق العلاقات بين الرجل والمرأة وما يجوز له منها وما لا يجوز. قبلها، حدد الله تعالى حكم الجماع أثناء المحيض، حيث حرمت ذلك لما فيه من الأذى، كما قال سبحانه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ).
الآية السابقة تمنع الإتيان أثناء المحيض وتسمح به بعده وطهارتها، وتطلب أن يكون الإتيان في الموضع الذي أباحه الله. أما الآية التي نتناولها هنا، فتوضح ما يباح في الإتيان والجماع.
تبين الآية أولاً أن الزوجة كالأرض التي يزرع فيها الرجل بذوره، والمقصود هنا هو الإنجاب، وهذا هو معنى (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ). وهذا تشبيه بلاغي جميل يوضح الهدف الرئيسي من النكاح وهو التكاثر.
تؤكد الآية كذلك أنه يجوز للرجل أن يأتي زوجته -المشار إليها بالحرث- بأي شكل يشاء، سواء من الأمام أو الخلف أو الجنب، ولكن بشرط أن يكون الجماع في القبل، مما ينقض مزاعم اليهود. وهذا هو معنى (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ).
أما لماذا يجب أن يكون الإتيان في القبل ولا يجوز في الدبر، فهذا يعود للتشبيه المعني، لأن الحرث والبذر ينبغي أن يتم في موضع مناسب. البذر في المرأة يكون في القبل، حيث يكون موضع الولد، في حين أن الدبر هو موضع غير صالح.
اختتمت الآية بقوله تعالى: (وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ). وهذا تذكير للناس بمسؤوليتهم أمام الله ومحاسبتهم. فيجب عليهم تقديم تقوى الله والامتثال لأوامره والابتعاد عن نواهيه ليبشروا بمصير الصالحين في اليوم الآخر.
ما يستفاد من الآية
تتضمن الآية عدة فوائد، منها:
- عظمة وتفرد الشريعة الإسلامية وشمولها لكل جوانب الحياة، من العلاقات الزوجية إلى العلاقات الدولية.
- التكاثر والتناسل من الأهداف الأساسية للزواج، ولا يجب تعطيلها.
- إجازة الرجل أن يأتي زوجته بأي طريقة شريطة أن يكون الإتيان في القبل.
- تحريم إتيان الرجل زوجته في الدبر، لأنه ليس موضع الحرث.
- التمييز عن اليهود في الأمور التي تتعارض مع الحق هو أمر مستحب في الشريعة.
- الالتزام بالكتاب والسنة، وعدم الانصياع لآراء الناس وعاداتهم.
- رقي التعبير القرآني، حيث تمت صياغة الآية لتعبر عن موضوع قد يستحي منه بطريقة لطيفة ومهذبة.