مفهوم القضاء والقدر من منظور لغوي واصطلاحي
يُعرّف القضاء في اللغة بأنه: إتقان الأمر وإحكامه وتنفيذه بناءً على توجيه معين. قال الله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)؛ أي أحكم خلق السماوات والأرض. فالقضاء يعبر عن الحكم والصنع والبيان، وأصله يتمثل في القطع. أما القدر في اللغة، فهو يدل على مقدار الشيء ونهايته. ويرتبط بالتصور والتفكير حول تنظيم الأمور والوسط. على صعيد الاصطلاح، يتجسد القضاء في حكم الله المتعلق بجميع مخلوقاته وأحوالهم منذ بداية الكون وحتى نهايته. في حين أن القدر هو حدوث ما حكم الله به وفق ما قدّره. وعند الحديث عن القضاء والقدر معًا في الاصطلاح، يتضمن ذلك تقدير الله -تعالى- للأشياء منذ الأزل وعلمه -سبحانه- بأنها ستحدث في أوقات معينة وبصفات محددة، بالإضافة إلى تسجيله لذلك ومشيئته لحدوثه، ووقوع الأمور وفق تقديره وإبداعه لها.
مراتب القدر
يتألف الإيمان بالقدر من أربع مراتب أساسية، ولا يكتمل الإيمان إلا بتحققها معًا، حيث إن أي نوع من النقص في أحدها يؤثر على صحة الإيمان بالقدر. وهذه المراتب هي:
- العلم: يتجلى في الإيمان بأنّ الله -عز وجل- يعلم كل شيء في الكون بتفاصيله منذ الأزل، سواء كان ذلك يتعلق بأفعاله أم بأفعال البشر. فقد علم الله كل الخلق قبل أن يُخلقوا وما سيحدث لهم من أقوال وأفعال، كما ورد في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ).
- الكتابة: وهي الإيمان بأن الله كتب ما سبق به علمه من مقادير الخلق حتى يوم القيامة. وقد اتفق الصحابة على أن الله حفظ كل شيء في اللوح المحفوظ، كما أشار الله في قوله: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ).
- المشيئة: تعبر عن الإيمان بتنفيذ مشيئة الله على جميع خلقه، وفق ما علمه وكتبه.
- الخلق: إذ يجسد الإيمان بأن كل المخلوقات خُلقت من العدم، وأنها مخلوقة لله بكل خصائصها وسلوكياتها.
التباين بين القضاء والقدر
تباينت آراء العلماء بشأن الفرق بين القضاء والقدر، حيث قسمت الآراء إلى فئتين؛ الفئة الأولى ترى عدم وجود فرق بين القضائين والقدر، حيث يُعتبر كلاهما مصطلحات تعبر عن معنى واحد يُفتقر إلى دلائل واضحة تُميز بينهما، ومن ثم لا توجد فائدة من التفريق بينهما. بينما الفئة الثانية تفسر القضاء كمصطلح يشير إلى ما حدث بالفعل، في حين أن القدر يُعتبر مصطلحًا لما لم يحدث بعد.