شرح مفهوم الاستقراء وفقًا لفلسفة أرسطو

تعريف الاستقراء وفقاً لأرسطو

يعتبر أرسطو من الرواد الأوائل في استخدام مفهوم الاستقراء في الفلسفة. وقد كان يهدف من وراء ذلك إلى إقامة براهين على قضايا كلية باستخدام قضايا جزئية تم إثبات صحتها. وهكذا، يتم الانتقال من الحالات الجزئية إلى تعميمات وقضايا شاملة، أي من المعلوم إلى المجهول. يمكن توضيح آلية الاستنتاج الاستقرائي من خلال المثال التالي:

  • قائد الطائرة الماهر هو الأفضل.
  • قائد العربة الماهر هو الأفضل.
  • قائد السفينة (القبطان) هو الأفضل.
  • إذن، نستنتج أن الرجل الماهر في مجاله هو الأفضل.

وبذلك، يمكن القول إن الاستقراء يعتبر أسلوبًا للاستدلال على النتائج استنادًا إلى حالات فردية. وقد تم تسميته بالاستقراء نظرًا لأن الباحث يقوم باستقراء الأجزاء والحالات الفردية ليصل إلى نتيجة شاملة. يجدر بالذكر أن هذه الحالات الفردية يمكن ملاحظتها بشكل واقعي، ولا تندرج ضمن الماورائيات.

الاستقراء كنقيض للاستنباط

يكمن الاختلاف بين الاستدلال الاستقرائي والاستدلال الاستنباطي في الطريقة المتبعة للوصول إلى النتيجة. ففي حين أن الاستقراء يتجه من الحالات الفردية نحو نتائج عامة، فإن الاستنباط يتحرك من النتائج الكلية نحو الحالات الفردية. يمكن توضيح المنطق الاستنباطي باستخدام المثال التالي:

القضيةتصنيفها
كل إنسان فانمقدمة كبرى
سقراط إنسانمقدمة صغرى
سقراط فانالنتيجة

من الجدير بالذكر أن القضية الأولى تتعلق بجميع البشر. إذ إن صفة الفناء التي تُعتبر حتمية تنطبق على جميع الأفراد، وبالتالي، يُعتبر المبدأ الأول قضية كلية. يمكن توضيح الفروق بين نوعي الاستدلال على النحو التالي:

  • الاستدلال الاستقرائي يعتمد على منهج مادي تجريبي يستند إلى المشاهدة والرصد، بينما الاستدلال الاستنباطي هو استدلال عقلاني تحليلي لا يعتمد على التجارب بل يستند إلى تجريدات ومقدمات عامة.
  • يستخدم الاستدلال الاستقرائي في العلوم الطبيعية والإنسانية، حيث تُبنى المناهج التجريبية على الاستدلال الاستقرائي، خصوصًا في تطور العلوم الطبيعية في العصور الحديثة، بينما يُعتبر الاستدلال الاستنباطي أساسيًا في العلوم الرياضية المرتكزة على تجريدات محضة.
  • يعتمد صدق القضايا التركيبية في الاستدلال الاستقرائي على المقارنة مع الواقع والتجريب، فإذا كانت النتائج متوافقة مع الواقع تُعتبر صادقة، وفي حالة عدم توافقها تعتبر كاذبة. أما القضايا التحليلية في الاستدلال الاستنباطي، فهي تعتمد على الصدق الداخلي المتضمن داخل القضية، ولا تحتاج إلى العودة إلى الواقع للتحقق من صحتها.

مشكلة الاستقراء

على الرغم من أن الاستقراء يرتكز على أسس تجريبية وواقعية، إلا أن نتائجه ليست مؤكدة بشكل قاطع. ولهذا، أطلق الفلاسفة المعاصرون على حجة الاستقراء مصطلح “مشكلة الاستقراء” بوصفها مشكلة فلسفية، إذ إن النتيجة ليست متضمنة في المقدمات بشكل حتمي. ومع ذلك، كلما زادت المقدمات، زادت احتمالية صحة النتيجة.

من المهم الإشارة إلى أن هذه المشكلة كانت لها آثار إيجابية بالنسبة للفلاسفة والعلماء، حيث أن عدم اليقين في النتائج شجع المفكرين على عدم التعامل مع القضايا بشكل دوغمائي، وفتح المجال أمام التساؤلات والاحتمالات الأخرى.

Scroll to Top