تأملات في الآية الكريمة التي تشير إلى خلق النبي العظيم

مفهوم الأخلاق

الأخلاق تعني الدين، والطبع، والسجية، وواقعها يتجسد في كيان الإنسان الداخلي، الذي يتضمن نفسه وخصائصها ومعانيها المميزة، كما يمثل الخلق صورتها الظاهرة وأوصافها ومعانيها. كلاهما يمتلك صفات حميدة وأخرى ذميمة، وينطوي كل منهما على طاعة وعقاب.

أهمية الأخلاق

الأخلاق تُعبر عن جوهر الدين، وتظهر آثار معرفة الخالق سبحانه وتعالى، والإيمان بالجنة والنار، والإيمان باليوم الآخر، الذي يوضّح أن هذه الحياة فانية. إذ ينبغي على الأفراد الامتناع عن إيذاء الآخرين، وإظهار المحبة لهم، والتصدق على الفقراء، واحترام كبار السن، ورحمتهم، والإحسان إلى الوالدين، الزوج، الجيران، والأقارب، وكذلك الابتعاد عن الغيبة والنميمة وغيرها من الصفات السيئة.

إن أفضل الناس تقوىً وأحسنهم خلقًا هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد عُرف بأفضل الأخلاق حتى قبل أن يُبعث، وشهد بذلك أقرب الناس له ومعارضوه. فكيف لا يكون أفضلهم بعد اكتمال يقينه بالله وبعد البعثة! ولقد زكَّا الله خُلقه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، لذلك يجب عدم الاستماع لادعاءات المشركين.

موضع الآية في السورة

قال الله تعالى: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ* مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ* وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ* وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ). أقسم الله تعالى بالقلم وما يدونه، وهو ما يميز البشر عن سائر الكائنات.

ثم دافع الله عز وجل عن نبيه من اتهامات المشركين بالجنون، وأخبره بأن أجره متصل وغير منقطع، وتوالت تزكيات الله له بأخلاقه العظيمة. فإذا سار المسلم على نهج هذه الآيات، سيتجاوز كل ما هو ذميم ويتسم بكل ما هو حسن.

أفضل الناس خلقاً

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا). إن خُلقه هو مستمد من القرآن، ومنه يمكن للإنسان أن يتعلم الحياء، والصدق، والأمانة، والعفو، والإحسان، والكرم، والإيثار، بالإضافة إلى اجتناب الأعراض، وحفظ اللسان، وما إلى ذلك من مفاهيم عظيمة أتشرفت بها الآيات، وسلطت الضوء عليها الكثير من الأحاديث.

اقتفاء أثره

عندما نتبع النبي صلى الله عليه وسلم، فإننا نجعل منه القدوة والمعلم والقائد. سيؤدي ذلك إلى انتشار التسامح والإيثار والوئام بين المسلمين، وهو ما نحتاجه اليوم أن يكون النبي قدوة لنا، لنعكس قيم الأخلاق الحميدة، ونكون رمزًا للتسامح، والإخاء، وحب الخير للآخرين.

سنعمل بالتالي على تجنب أعراض الناس والالتقاء على الطاعة لله تعالى. قال عبدالله بن عمرو: (ألا أُخبركم بأحبِّكم إليَّ وأقربِكم مني مجلسًا يوم القيامة؟ قالها مرتين أو ثلاثًا. قالوا: نعم يا رسول الله! قال: أحسنُكم خُلُقًا).

شهادة مميزة وتكريم رفيع

يتردد صدى الثناء الفريد على النبي الكريم في أرجاء الكون، ويعكس قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود، وهي شهادة من الله في ميزان الحكمة، يقول له فيها: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلَقٍ عَظِيمٍ).

إن مدلول الخلق العظيم هو ما لا يمكن أن يدركه أحد من العالمين، ودلالة هذه الكلمة العظيمة على عظمة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – تتجلى في عدة جوانب:

  • تظهر من كونها كلمة من الله العظيم، تسجل في ضمير الكون، وتثبت في كيانه، وتتردد في الملأ الأعلى إلى أن يشاء الله.
  • تتجلى أيضًا في قدرة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – على تلقيها، إذ يدرك من ربه عظمة قائل هذه الكلمة، وما تعنيه.
  • إن استقباله لهذه الكلمة من هذا المصدر، في ثبات وطمأنينة، هو دليل على عظمة شخصيته، مما لا يمكن لأحد من العالمين أن يدركه.
Scroll to Top