تعريف السنة لغةً
تأتي كلمة “السنة” في اللغة العربية من الجذر “سَنَنَ”، ومصدرها “السَّنُّ” بضم النون وتشديدها. وفقًا للمراجع اللغوية، يشير ابن فارس في معجمه “مقاييس اللغة” إلى أن الجذر (سن) يعكس معنى جريان الأشياء بسهولة، حيث أن الاستخدام الأصلي للكلمة يتعلق بالماء، مثلما يقال: “سَننتُ الماء” أي أجريته في مسارٍ معين. وعليه، فإن السنة تعني “السيرة”، وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تمثل سيرته.
وسُمِّيت السنة بهذا الاسم لأنها تمثل طريقًا واضحًا، إذ أن سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تعد الصراط المستقيم، وهو الطريق المستقيم والمنهج القويم. كما قال الله -تبارك وتعالى-: (سُنَّةَ مَن قَد أَرسَلنا قَبلَكَ مِن رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحويلًا)، وأيضًا قال -تعالى-: (سُنَّةَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا).
تعريف السنة اصطلاحًا
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تركتُ فيكم أمرينِ؛ لن تَضلُّوا ما إن تمسَّكتُم بهما: كتابَ اللَّهِ وسُنَّتي، ولن يتفَرَّقا حتَّى يرِدا عليَّ الحوض)، وتعتبر السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم. ويُمكن تعريف السنة بشكل عام بأنها: “كل ما صدر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير غير القرآن”.
وتعد السنة في نظر علماء الحديث أوسع من تعريفها عند الأصوليين والفقهاء، وسيتم التطرق لهذه الفروقات لاحقًا في المقال.
تعريف السنة عند الأصوليين
تعتبر السنة في مفهوم الأصوليين: ما نُقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير مناسب كدليل لحكم شرعي. وقد بحث علماء أصول الفقه عن دور النبي -صلى الله عليه وسلم- كمشرع يوضح للناس قواعد حياتهم ويمهد الطريق للمجتهدين من بعده. لذا، يتمحور بحث الأصوليين حول أقوال النبي وأفعاله وتقريرات التي تثبت الأحكام الشرعية.
تعريف السنة عند المحدثين
تتعدد تعريفات السنة لدى المحدثين، حيث يُطلق عليها أيضًا “الحديث” و”الأثر”. وفيما يلي آراء علماء الحديث في مفهوم السنة والأثر والخبر:
- يرى معظم علماء الحديث أن السنة والحديث والأثر تعني نفس الشيء، وهي الأهم الهيمنة.
- يعتقد بعضهم أن السنة تتعلق بالأحاديث التي تُستمد منها التشريعات، لذا يجب عدم تضمين الحديث المنسوخ أو الصفات الخَلقية للنبي، حيث لا يُستخرج منها أحكام شرعية.
- رأى آخرون أن الخبر هو مصطلح أوسع من الحديث، حيث يشمل ما ورد عن النبي وما ورد عن غيره، في حين أن الحديث ينحصر فيما نُقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقط.
- يشير البعض إلى أن الأثر هو ما ينسب إلى الصحابي أو التابعي، بينما الحديث ينسب فقط إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
بشكل عام، يُعرف الحديث عند المحدثين بأنه ما نُسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفات خلقية أو خلقية؛ لذا فإن مفهوم السنة عند المحدثين يعتبر أوسع مقارنةً بتعريف الأصوليين والفقهاء، حيث يتعاملون مع أفعال النبي وسيرته وشمائله.
تعريف السنة عند الفقهاء
تعتبر السنة في اصطلاح الفقهاء: الوصف الشرعي للفعل الذي يُطلب بشكل غير ملزم، حيث يُثاب المرء على القيام به ولا يُعاقب على تركه. وقد تُستخدم السنة لدى الفقهاء كضد للبدعة، مثل تصنيفهم الطلاق إلى طلاق سُنّي وطلاق ببديع، بمعنى أن العمل يتوافق أو لا يتوافق مع السنة. بالتالي، يُقال إن هذا الفعل يُعتبر سُنّة؛ أي مشروع له أصل في الشرع.
قد نظر الفقهاء في أفعال الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تعكس حكمًا شرعيًا، مثل الواجب أو الحرمة أو الندب. وبالتالي، تعكس السنة عندهم حكمًا، حيث يعتبر الفعل ذا صفة سنية وندبية، وليس فرضًا.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن السنة النبوية تحظى بمكانة رفيعة في جميع جوانب الحياة، وهو ما يوضح اهتمام علماء الشريعة بها على مختلف اختصاصاتهم. فالسنة لغة تعني الطريقة المستقيمة، وعند الأصوليين تعتبر مصدرًا من مصادر الأدلة الشرعية، وفي نظر المحدثين تشمل معظم جوانب حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بينما تشير عند الفقهاء إلى حكم شرعي ينطوي على الثواب والعقاب.