تفسير سورة التين
تفسير الآيات المتعلقة بخلق الإنسان ومستقبله
قال الله تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ* وَهَـذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ* لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ). تتناول الآيات الأولية في سورة التين أكثر من أسلوب للقسم، وسنوضح مضمونها فيما يلي:
- القسم
تبدأ سورة التين بقسم من الله -عز وجل- بالتين والزيتون. تعددت التفاسير حول معاني هذين العنصرين، حيث يُفسر الأول أن التين والزيتون هما ثمار معروفة بفوائدها الكبيرة للجسم. التفسير الثاني يشير إلى أن التين يمثل مسجد النبي نوح الذي بُني على جبل الجودي، بينما الزيتون يرمز إلى بيت المقدس. أما التفسير الثالث فيعتبر التين هو مسجد دمشق، والرابع يشير إلى أن التين والزيتون هما جبلان في دمشق والقدس، والخامس يقترح أن التين هو مسجد أهل الكهف والزيتون هو مسجد إيلياء.
- معاني المفردات
وطور سينين هو جبل الطور في سيناء، حيث كلم الله سبحانه وتعالى موسى. والبلد الأمين هو مكة المكرمة، التي تُعتبر أشرف بقاع الأرض. وقد ذكر أحد المفسرين أن القسم بتلك الأماكن يحمل دلالة على أن الله سبحانه وتعالى قد بعث رسولاً من الأنبياء لكل مكانٍ منهم، حيث بعث عيسى عليه السلام للقدس، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- في مكة، وكلم موسى في جبل الطور.
- المُقسم عليه
المقسم عليه يعني أن الله -تعالى- قد أنعم على الإنسان بخلقٍ يبرز أجمل صورة له. وردنَا هنا بمعنى أعدنا، كما يفيد ابن قتيبة بأن لفظ سافلين يشير إلى الضعفاء ومن لا حيلة لهم، وهذا قد يعني كذلك عجز الإنسان في أواخر حياته وضعف بنيته، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع الإنسان عن العمل الصالح. وفعل “أسفل” يعني أنه توجد دركات وأسفل جهنم تحت بعضها. وتسلط هذه الآيات الضوء على خلق الإنسان بصورة متكاملة تلائم الدور الذي سيلعبه في حياته، وتنذر المكذبين بأن النار ستكون مأواهم، وهو أسوأ مصير.
الاستثناء للمؤمنين الصالحين الذين آمنوا وعملوا الصالحات يتضح في هذه الآيات، حيث أُعد لهم أجر عظيم ونعيم وجنات وعيون، ومقام رفيع في يوم القيامة.
تفسير آية (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ)
تشير الآية السابعة من سورة التين إلى إنكار البعث والحساب، حيث قال -تعالى-: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ). وكما يقول العدوي، هذه الآية تعبر عن الدهشة من إنكار الإنسان للجزاء والبعث بعد كل البراهين على عظمة الخالق في خلقه. قيل إنها تطرح سؤالاً عن سبب إنكار العائدات والحياة بعد الموت، وقد تُعبر عن دعوة للنبي -صلى الله عليه وسلم- بشأن إنسان يكذب بالدين واليوم الآخر رغم وجود الأدلة المعززة على قدرة الله.
تفسير آية (أَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)
تتناول الآية الثامنة من سورة التين إبداع الله في الخلق، حيث قال -تعالى-: (أَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ). يُفسر القرطبي هذه الآية على أنها تعبر عن إتقان الله وإحسانه في الخلق، وقد يقصد بها عدل الله المطلق في إحقاق الحق. جاءت هذه الآية بمثابة اعتراف من الذين يدركون أن خالق هذا الكون هو أبدي.
مقاصد سورة التين
تتعدد المقاصد القرآنية في سورة التين، ومنها:
- يؤكد الله قسمه في خلق الإنسان بأجمل صورة وتفضيله عن غيره من المخلوقات.
- الإشارة إلى أن الله قد أعد للكافرين نيران جهنم يوم القيامة.
- الإشادة بالمؤمنين الذين عملوا الصالحات وما أعد لهم من ثواب وجنات خالدة.
- التأكيد على أن الله هو أحكم الحاكمين في الدنيا والآخرة.