تفسير الآيات الأخيرة من سورة البقرة

تفسير خواتيم سورة البقرة

تتضمن خواتيم سورة البقرة فضلاً عظيماً، حيث يتعلق الأمر بالآيتين الأخيرتين من السورة. سنستعرض هنا شرحاً مفصلاً للآيتين الكريمتين:

تفسير آية (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ ….)

قال الله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

التفسير:

  • تؤكد الآية الكريمة إيمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتؤمن معه جميع المؤمنين بالله، وكتبه، ورسله، وملائكته، دون تمييز بينهم، حيث يُعتبر جميعهم عند الله موثوقين ومخلصين في تبليغ رسالته -سبحانه-.
  • في عبارة “وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا”، يبرز إعلان المؤمنين عن طاعتهم المطلقة لله -سبحانه وتعالى-، من خلال صدقهم بالتقيد بأوامره ونواهيه. فتظهر في طاعتهم استجابة كاملة لله -سبحانه وتعالى-، حيث يجمع المؤمِنون بين الإيمان القلبي ومظاهر العمل.
  • Phrase “غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” تعبّر عن إقرارهم بالخطيئة وطلبهم من الله -سبحانه وتعالى- العفو والمغفرة، مع اعترافهم باليوم الآخر واستعدادهم له.

تفسير آية (لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا …)

قال الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

تروي أسباب نزول الآية الكريمة أن بعض المسلمين شعروا بالقلق عندما نزل قوله -تعالى-: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)؛ حيث اعتقدوا بأنه يمكنهم التوبة عن الأعمال الجوارحية، ولكنهم يشعرون بأنهم لا يستطيعون التحكم في الوساوس داخل قلوبهم. لذا نزل جبريل -عليه السلام- ليعلمهم أن امتناعهم عن الوساوس سيكون وفق طاقتهم. قال الله -تعالى-: (لَا يُكَلفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).

تشير الأحاديث النبوية إلى هذا المعنى، حيث روى أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعْمل أو تتكلم به). لذا، لن يُحاسب الله -سبحانه وتعالى- بني آدم عن الوساوس التي تخرج عن قدرتهم. بالإضافة إلى تلك المواقف، تدعو الآية الكريمة إلى رحمة الله -سبحانه وتعالى- بتجاوز الأخطاء التي تأتي نتيجة النسيان.

تعني كلمة “الإصر” العبء الثقيل، ويشير ابن عباس في تفسيره لهذه الآية إلى أنها دعوة للمسلمين لله -سبحانه وتعالى- ألا يفرض عليهم ما لا يمكنهم قبوله، كما حصل مع الأمم السابقة مثل بني إسرائيل التي عوقبت بسبب تجاوزها للواجبات.

معاني المفردات في خواتيم سورة البقرة

إليك بعض معاني المفردات في خواتيم سورة البقرة:

  • إصرًا: الحمل الثقيل، والعبء.
  • أخطأنا: ما صدر عن غير قصد.
  • لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ: الإيمان بجميع الرسل -عليهم السلام-.
  • إِلَيْكَ الْمَصِيرُ: المرجع يوم القيامة إلى الله -سبحانه وتعالى-.
  • وَاعْفُ عَنَّا: اغفر لنا وسامحنا.

المقاصد في خواتيم سورة البقرة

سنستعرض هنا أبرز المقاصد التي يمكن استخلاصها من خواتيم سورة البقرة:

  • يتطلب الإيمان استيفاء جميع أركان الإيمان، بدءاً من الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- وانتهاءً بالإيمان بالقضاء.
  • يؤكد الإيمان بالرسل جميعهم، حيث إن إنكار أحدهم ينقض الإيمان.
  • يدرك المسلمون أن الله -سبحانه وتعالى- لا يكلف النفس بما يفوق قدرتها، وجميع التكاليف التعبدية تقع ضمن طاقته.
  • يتوجب على المسلم الالتزام بالطاعة لله -سبحانه وتعالى- والانقياد لأوامره.
  • التصديق بالله -سبحانه وتعالى- يتطلب الإيمان القلبي مع العمل الصالح في إطار تقوى الله.

باختصار، تُظهر خواتيم سورة البقرة فضلًا عظيمًا حيث يتم التعبير عن أهمية الإيمان الكامل بالله وملائكته وكتبه ورسله، مع الدعاء للمغفرة والنصر على الأعداء.

Scroll to Top