تعريف الصفات الأخلاقية الحميدة

مفهوم حسن الخلق

في اللغة، يشير الحُسن إلى ما يعتبر ضد القبح، وهو صفة تعبر عن ما هو جميل. يمكن أن يُقال عن امرأة أنها “حسناء” أو رجل بأنه “حسن”، وبالتالي يُعتبر الحسن رمزاً للجمال. وكما أشار الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم، فقد أمر عباده بالقول الحسن، كما ورد في سورة البقرة: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا). بوجه عام، يتفق معظم العلماء على أن حسن الخلق يتمحور حول العطاء، الاحتمال، العفو، كظم الغيظ، بشاشة الوجه، الصلة، اللطف، البر، حسن المعاملة والطاعة. فيما يلي بعض من أقوال العلماء حول حسن الخلق:

  • قال ابن القيم -رحمه الله-: إن حسن الخلق يقوم على أربع ركائز رئيسية: الصّبر، العفّة، الشّجاعة، والعدل.
  • وعرّف الماوردي -رحمه الله- حسن الخلق بوصف صاحبه بأنه “سهل العريكة، ليّن الجانب، طليق الوجه، قليل النفور، طيب الكلمة”.
  • بينما قال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-: “هو خلقٌ فاضلٌ رائعٌ، أساسه الصّبر، الحلم، والرغبة في مكارم الأخلاق، وآثاره العفو، الصفح عن المسيئين، وتقديم المنافع للناس جميعًا…”، وجمعت تلك المعاني في آية واحدة، حيث قال الله -تعالى-: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ).
  • وروي عن الحسن -رضي الله عنه- قوله: “حسن الخلق يتمثل في الكرم والعطاء والاحتمال”.
  • وقال علي -رضي الله عنه-: “حسن الخلق يتجلى في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، طلب الحلال، والتوسعة على العيال”.
  • أما الإمام أحمد -رحمه الله-، فقال: “حسن الخلق هو أن لا تغضب ولا تحمل حقدًا”.
  • وأشار ابن المبارك إلى أن حسن الخلق يتمثل في بشاشة الوجه، بذل المعروف، وكف الأذى.
  • وذكر الشعبي أن حسن الخلق يتمثل في العطاء والبذل والبشاشة المشرقة.

وقد جاء في حديث نبوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (البِرُّ ما اطمأنَّت إليه النفس، واطمأنَّ إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك). فحتى تشعر نفس المسلم بالطمأنينة، ينبغي أن تكون راضية عن أفعاله. وقد أوضح الحديث الشريف أن الأعمال الحسنة والسيئة واضحة لا يخفى على معظم الناس، وأن الأخلاق الحميدة هي أثقل ما يمكن أن يُوزن في ميزان الأعمال يوم القيامة، كما أن سيء الخلق يثير كراهية الناس ويبغضه الله -تعالى-؛ حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما شيءٌ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، فإن الله يُبغض الفاحش البذيء).

حسن الخلق مع الله -عز وجل-

عند الحديث عن حسن الخلق، قد يذهب تفكير الكثير إلى العلاقات بين الناس، ولكن لا ينبغي إغفال الجانب الأهم وهو حسن الخلق مع الله -سبحانه وتعالى-. لتحقيق ذلك، ينبغي الالتزام بثلاثة أمور أساسية، على النحو التالي:

  • تلقي أخبار الله -تعالى- بتصديق راسخ: حيث يُتوقع من المسلم أن يتلقى ما أُخبر به من الله -سبحانه- بتصديق كامل دون شك أو تردد، بناءً على يقينه بأن كل ما يُعلنه الله -عز وجل- هو الحق المطلق. كما جاء في قوله: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا)، ومثال على ذلك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حول اقتراب الشمس يوم القيامة.

قد يثير البعض تساؤلات حول كيفية اقتراب الشمس من الأرض دون أن يحترق الناس. هنا يكمن الاختبار، لنرى من يصدق ومن لا يصدق. معرفة الله -تعالى- شاملة لكل شيء، وما أُخبرنا به هو جزء صغير له هدفه. لذلك، علينا أن نصدق ما ورد عن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالنبي لا يتحدث إلا بما أمره الله.

  • استقبال أحكام الله -سبحانه وتعالى- بالقبول والامتثال: من حسن الخلق مع الله -عز وجل- هو قبول الإنسان لأحكام الله وتطبيقها دون الاعتراض أو الرفض. فعلى سبيل المثال، يُعتبر الصيام فرضًا على كل مسلم بالغ قادر، ومن حسن خلق المسلم أن يؤديه مطمئنًا بفوائده، راضيًا بتكليف الله -تعالى-، دون شكاوى أو سخط.
  • الرضا والصبر على أقدار الله -تعالى-: يتلقى المسلم ذو الإيمان العميق وأخلاق جيدة أقدار الله -سبحانه- بالرضا والصبر، حتى في أشد الكوارث. فالدنيا مليئة بالابتلاءات، والتي قد تشمل الأمراض وفقدان الناس الأعزاء. فعلى المسلم أن يتحلى بالصبر والرضا عند حدوث أي أمر غير مُحبب له، كما قال الله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).

ختامًا، يجب على الإنسان أن يرضى بحكم الله -تعالى- مع قطع الضجر والاستياء، وعندما يقدر الله -سبحانه- على المسلم شيئًا يكرهه، عليه أن يرضى بذلك ويصبر، قائلاً بلسانه وقلبه: “رضيت بالله -تعالى- ربًا”، وأن يحتفظ بنفسيته مرتاحة وقلبه مطمئنًا؛ لتحقيق أجر عظيم. وبذلك يتم تطبيق حسن الخلق مع الله -عز وجل-.

إذ أن أداء أوامر الله -تعالى- برضا، وتجنب نواهيه دون سخط، واليقين بأن كل ما يأتي من الله -تعالى- هو خير، يعتبر من حسن الأخلاق أمام الله -تعالى-.

حسن الخلق مع الناس

يمثل حسن الخلق مع الناس الجانب الثاني من مفهوم حسن الخلق العام، الذي تتعلق به حياة الناس بشكل عام. حيث تُصنَّف أفعال البشر إلى حسنة وسيئة، ولذا وَردت في القرآن الكريم والسنة النبوية دعوات عديدة تحث المسلمين على التعامل الحسن فيما بينهم، مُظهرةً الكثير من الأخلاق الإسلامية التي ينبغي عليهم التحلي بها. وفيما يأتي بعض من هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية:

  • قال الله -تعالى- عن حسن الخلق: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
  • وورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته…).
  • قال النبي -عليه الصلاة والسلام- حول مسألة الغش: (ليس منا من غشّ).
  • وذكَر الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (من يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يُؤذِ جارَه، ومن يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكرِم ضيفَه، ومن يؤمن بالله واليوم الآخر، فليَقُل خيرًا أو ليصمت).
  • وأثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على من كانوا يجتمعون ليتحدثوا دون إغفال الآخرين: (إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجَ اثنانِ دون صاحبهما، جدًا يُحزنه).
  • وأخبر الله -تعالى- نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- عن حسن خلقه، حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، مما يدل على أن حسن الخلق يحتل مرتبة رفيعة وتشمل جوانبًا عديدة.

فضائل حسن الخلق

يمتاز حسن الخلق بالعديد من الفضائل، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليس شيءٌ أثقل في الميزان من حسن الخلق)، وهناك أيضًا قول ابن عباس -رضي الله عنه-: “إن حسن الخلق من الدين، وإذا أدخله الله -تعالى- الجنة، يجعله في منزلة الأنبياء والصديقين”. وفيما يلي بعض من هذه الفضائل:

  • يعتبر حسن الخلق من أفضل ما يقرب العبد إلى الله -تعالى-. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أحبُّ عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا).
  • يسهم حسن الخلق في رفع الدرجات في الجنة ويعكس حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- للقائمين بحسن الخلق.
  • يعبر حسن الخلق عن طيبة القلب ويساهم في تحويل العداوات إلى صداقة، ويصلح العلاقات بين الناس.
  • يعد حسن الخلق سببًا لمغفرة الله -تعالى-، حيث يمحو الأخطاء والذنوب.
  • يتيح حسن الخلق للمرء بلوغ مرتبة الصائمين والقائمين كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إن المؤمن ليُدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم).
  • يعتبر حسن الخلق أحد العوامل الرئيسية لدخول الناس الجنة؛ حيث سُئل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أسباب دخولها، فكان من بينها: تقوى الله وحسن الخلق.
  • يساهم حسن الخلق في ثقل الميزان يوم القيامة.
  • يتسبب حسن الخلق في وقاية العبد من نار الآخرة.
  • قال الله -عز وجل- عن الذين يحسنون في سورة الليل: (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)، وذكر الله -تعالى- الجنة بمعاني الحسن، حيث قال: (لِلَّذينَ أَحسَنُوا الحُسنى وَزِيادَةٌ).
  • التزين بحسن الخلق هو امتثال لأمر الله -عز وجل- ونبيه -صلى الله عليه وسلم-، وتقليد له.
  • قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمان بضعة أو سبعون شعبًا، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
Scroll to Top