تحليل رواية “عبث الأقدار” والتعبير عن موضوعاتها الرئيسية

تحليل موضوعي لرواية عبث الأقدار

رواية عبث الأقدار هي من تأليف الأديب المصري نجيب محفوظ، الذي عزز مسيرته الأدبية من خلال هذه العمل الأدبي. تدور أحداث الرواية في فترة قديمة من تاريخ مصر، وتحديدًا في العهد الفرعوني خلال بناء هرم خوفو، حيث كان الملوك يعتمدون على العرافين في توقع ما يحمله المستقبل.

خلال هذه الفترة، استدعى الملك خوفو أحد العرافين لمعرفة مصير ابنه وكما توقع، ذكر له العراف أن ابنه لن يصبح ولي العهد، وإنما سيكون ابن الكاهن الأعظم هو الذي سيتولى الحكم بعده. أثار ذلك غضب الملك، فكيف يمكن لشخص آخر غير ابنه أن يعتلي العرش؟ تبدأ رحلة الملك في محاولة تحدي هذه النبوءة، مما يعكس مفهوم الإرادة الفردية، والقمع، والتسلط، حيث تكون إرادة الملك هي الحاكمة.

لكن القدر هو من رسم هذه النبوءة، كما يشير نجيب محفوظ، حيث يقوم الملك فيما بعد بقتل ابنه الأصلي ويتزوج ابنته. من الملاحظ أن الزواج بين الأقارب لم يكن محرمًا في الحضارة الفرعونية، بل كان شائعًا في أوساط الملوك لضمان استمرار الحكم.

ثم يقوم الملك خوفو بتمكين ابن الكاهن الأعظم من زمام العرش، وهو ما يؤكد انتصار القدر في النهاية. وقد أُعيد طبع هذه الرواية تحت مسميات متعددة، منها عجائب القدر، وترجمت إلى عدة لغات تحت عنوان خوفو.

تحليل أسلوبي لرواية عبث الأقدار

لقد أبدع الكاتب نجيب محفوظ في استخدام معجم لغوي يتناسب مع الفترة الزمنية التي تدور خلالها الأحداث، وهي الفترة الفرعونية. في تلك الحقبة، لم يكن الفراعنة خاضعين لتعاليم دينية سوى تلك الخاصة بالكهنة، حيث كان العراف أو الساحر هو المسؤول عن الشؤون الروحية للقصر، ويعتمد الفرعون على النبوءات كوسيلة لمعرفة المستقبل.

واستغل الكاتب هذه التفاصيل بشكل بارع في روايته، حيث عكست ردود أفعال الشخصيات طبيعتها وأدوارها. على سبيل المثال، كان الساحر عند القيام بدوره يشعر دائمًا بالقلق من الظلم الذي قد يلحقه به الفرعون إذا ما كانت نبوءته غير متوافقة مع رغبات الملك.

يُعتبر البطل محور الأحداث، ولكن نجيب محفوظ لم يجعل من ابن الكاهن الأعظم أو ولي العهد شخصية رئيسية بحتة، بل وزع الأدوار بطريقة تجعل كل شخصية تساهم في تكوين الرواية دون إغفال أي منها.

تتميز الرواية بتصويرها للمؤامرات والخدع والحيل التي تدور في الأوساط الملكية، حيث يتصارع الحاشية على السلطة دون علم الملك.

الاستعارات والصور الفنية في رواية عبث الأقدار

تُعتبر فكرة الزمن من العناصر الأساسية التي تجذب القراء في رواية نجيب محفوظ، حيث حاول الكاتب استعراض تأثير الزمن وما يحدثه في مصائر الأفراد. وفي تعبيره عن ذلك، قال: “إن الزمان يتقدم غير ملتفت إلى الوراء، وينزل -كلما تقدم- قضاءه بالخلائق، وينفذ فيها مشيئته التي تهوى التغيير والتبديل…”

كما يظهر نجيب محفوظ من خلال هذه الصورة الفنية كيف يؤثر الزمن في الإنسان وما يعتري مصائره، إذ تعكس الرواية مفهوم الطبقية المتجذرة منذ عصور قديمة.

الحوار والسرد في رواية عبث الأقدار

استخدم نجيب محفوظ الحوار كوسيلة للتعبير عن أفكاره بشكل غير مباشر، ما ساعد على تثبيت هذه الأفكار في أذهان القراء. ولعب السرد أيضًا دورًا مهمًا في منح القارئ الشعور بالأجواء التي يرغب الراوي في نقلها، ومن أبرز الحوارات الجدل الذي دار بين العبد وربه.

حيث يتوجه العبد بالخطاب إلى ربه متسائلًا: “ربّاه لماذا تحرمها الآلهة من الأمومة؟”، معبرًا بذلك عن معاناته من فقدان هذه النعمة. وقد نجح الكاتب في تصوير مشاعر المرأة المحرومة من الأمومة وما يرتبط بذلك من حكمة إلهية.

تحليل شخصيات رواية عبث الأقدار

تحتوي رواية عبث الأقدار على مجموعة من الشخصيات الهامة التي ساهمت في تطور الأحداث، ومنها:

  • خوفو: الفرعون الذي يتمتع بسمات جسدية ونفسية ملفتة، والذي سعى إلى معرفة مستقبل مملكته عبر العرافين.
  • الساحر: هو الشخص الذي أبلغ الملك أن ابنه لن يصبح ملكًا وأن الذي سيعتلي العرش هو ابن الكاهن الأعظم.
  • أون: ابن الكاهن الأعظم الذي يواجه محاولات الملك لقتله، لكن يُثبت القدر أنه سيتولى العرش بعد خوفو في وقت لاحق.

آراء نقدية حول رواية عبث الأقدار

تعددت الآراء النقدية المتعلقة برواية عبث الأقدار، ومن أبرز هذه الآراء:

  • فاطمة موسى: “تأثر نجيب محفوظ في روايته بفكر سلامة موسى ورواية عودة الروح وكتاب مصر القديمة.”
  • محمود أمين عالم: “تقدم رواية عبث الأقدار انتقادًا واضحًا لسياسات الاستبداد والقوة.”

القدر هو القوة المهيمنة التي توجه مسار الإنسان في هذا العالم، سواء تم الكشف عنها أو لم يتم، فإن الأفراد يسيرون كما أراد الله، ومحاولاتهم لتغيير ذلك هي محاولات عبثية لا محالة.

Scroll to Top