ما هو التوحيد؟
- التوحيد في اللغة يعني جعل الشيء واحدًا.
- أما في السياق الشرعي، فالتوحيد يُعرف بأنه إفراد الله تعالى بما يخصه من جوانب الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.
يعرّف الإمام ابن القيم -رحمه الله- التوحيد بأنه لا يقتصر على إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله، وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان يفعل عبدة الأصنام السابقون الذين كانوا يُقِرُّون بذلك، رغم إشراكهم. بل إن التوحيد يتطلب محبة الله، والخضوع له، والذل في بابه، والانقياد الكامل لطاعته، وإخلاص العبادة له، والسعي نحو رضاه في جميع الأقوال والأفعال، كما أنه يقود إلى نهج سليم يمنع العبد عن المعاصي والإصرار عليها.
فالتوحيد القلبي يشمل المعرفة الكاملة بمعنى التوحيد من خلال نفي الباطل وإثبات الحق، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله، حُرِمَ ماله ودمه، وحسابه على الله.”
أنواع التوحيد
قسّم علماء أهل السنة والجماعة التوحيد إلى ثلاثة أنواع بناءً على دراسة آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية. وقد طرح هذا التقسيم علماء سابقون مثل أبو جعفر الطبري وابن عبد البر. وهذا التصنيف يُفند الادعاءات التي تقول إن ابن تيمية هو من استحدثه. الأقسام الثلاثة هي كما يلي:
- توحيد الربوبية
الربوبية تعني إفراد الله -تعالى- بخالقيته وسيادته وتدبيره، فلا يوجد خالق سواه ولا مالك للكون إلا الله. فهو الهُو الذي يُقسم الأرزاق، وهو المحيي والمميت. من الجدير بالذكر أن الكفار كانوا يؤمنون بهذ النوع من التوحيد، كما جاء في قوله تعالى: “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ.”
ورغم إقرارهم بأن الله -تعالى- هو الخالق والمالك للكون، فإن هذا الإقرار وحده لا يُؤدي إلى النجاة من النار، ولا يجعله مسلمًا طالما أن هذا الإيمان لم يُقرن بشهادة أن لا إله إلا الله، فالقضية تتعلق بأمور الكون.
- توحيد الألوهية
توحيد الألوهية يعني إفراد الله -تعالى- وحده بالدعاء والتوكل والاستعانة وغيرها من العبادات. هذا هو النوع من التوحيد الذي أرسل الله -تعالى- به رسله، وكان الكفار ينكرونه. قال تعالى: “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ…” ويتعلق هذا النوع بالأوامر والنواهي الشرعية.
- توحيد الأسماء والصفات
توحيد الأسماء والصفات يتضمن الإيمان بكل ما ورد في القرآن والسنة من أسماء الله وصفاته، ويتطلب هذا الإيمان إثبات الكمال لله في جميع هذه الصفات.
ومن الأسماء المثبتة لله -تعالى- في القرآن والسنة:
- اسم الله القوي الذي يشمل صفة القوة.
- اسم الله العزيز الذي يتضمن صفة العزة.
- اسم الله الكريم الذي يتضمن صفة الكرم، كما قال تعالى: “فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا…”.
الترابط بين أقسام التوحيد الثلاثة
تُشكل هذه الأقسام الثلاثة أساس الإيمان بالله تعالى، والعلاقة بينها تكاملية ولا يمكن الاستغناء عن أحدها. فلا يُقبل توحيد الربوبية دون اعتبار لتوحيد الألوهية، كما لا يقبل توحيد الألوهية دون توحيد الربوبية.
أي خلل في أي قسم من هذه الأقسام يُؤدي إلى خلل في الإيمان كله، فمن آمن بتوحيد الربوبية، وعرف أن الله واحد ومنزه عن الشريك أو الولد، فإنه يجب عليه إذن أن يعبد الله -تعالى- وحده، حيث أنه الإله الحقيقي. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ…” وهذا يؤكد أن توحيد الأسماء والصفات يشمل كلا من توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية.
أهمية التوحيد
أوصى الله -تعالى- عباده بالتوحيد في آيات القرآن الكريم، واستمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوة قومه إلى توحيد الله على مدى ثلاث وعشرين سنة. إن التوحيد هو أحد حقوق الله -تعالى- على عباده، ويتعين على الجميع الالتزام به بالتوجه إلى الله -تعالى- وحده في الدعاء والخوف والرجاء، وكل العبادات.
وعليهم تجنب مناجاة أهل القبور أو الأولياء والأنبياء. فالعبادة تتضمن كل ما يحبه الله -تعالى- ويرضاه من الأقوال والأفعال الباطنة والظاهرة. وقد أرسل الله -تعالى- الرسل بدءًا من نوح -عليه السلام- وصولًا إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- بدعوة التوحيد.
من أجل التوحيد خُلق العباد، وكلما زادت معرفة العبد بالله كانت عبادته أكثر كمالًا. ولا يُعقل أن تكون العبادة دون توحيد، لأن التوحيد هو فطرة الله -تعالى- التي فطر الناس عليها، ولا يعارض هذه الفطرة إلا من عارض فطرته.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “كل مولود يُولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرانِه، أو يُمَجِّسانِه…”.
وفي النهاية، فإن غواية الشيطان قد تُغيِر الفطرة البشرية عن التوحيد، لكن يبقى التوحيد هو الأساس في الفطرة السليمة، والشرك هو طارئ عليها. التوحيد هو شرط لتحقيق الانتصار والتمكين والأمن والهداية، ويُميز الناس بين مؤمن وكافر، ويُعتبر شرطًا لدخول الجنة والنجاة من النار.