تعريف الاجتهاد
الاجتهاد يُعرف في اللغة بأنه بذل أقصى الجهد والطاقة في أمر معين، حيث يرتبط الجهد بالمشقة. وعند الحديث عن الاجتهاد في الاصطلاح الشرعي، فإنّه يعبر عن بذل الجهد واستفراغ الوسع في دراسة الأحكام الشرعية بعد التمعن في الأدلة الشرعية. ويُطلق على الشخص الذي يقوم بعملية الاجتهاد تسمية “مجتهد”، شرط أن تتوفر فيه المؤهلات اللازمة لأداء هذه المهمة.
مشروعية الاجتهاد
توجد أدلة شرعية عديدة تشير إلى مشروعية الاجتهاد وتحث عليه، ومن أبرز تلك الأدلة:
- من القرآن الكريم: يشير العديد من الآيات إلى أهمية التأمل واستخدام العقل، مثل قوله تعالى: (إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ)، وقوله: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)، وكذلك الآية: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
- فيما يتعلق بالسنة النبوية، فمن المشهور قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: “إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد”.
- الإجماع: حيث اتفق الصحابة وعلماء السلف على مشروعية الاجتهاد.
- العقل يقتضي أن يكون الاجتهاد مشروعًا، نظرًا لأن نصوص القرآن والسنة لم تعالج جميع الأحكام والشؤون، ولأن القضايا والمواقف تتجدد مع مرور الزمن، مما يتطلب الاجتهاد لوضع أحكام لهذه المواضيع المستحدثة.
حكم الاجتهاد
الإلمام بالحكم الشرعي للقضايا والوقائع بشكل عام يُعتبر واجبًا شرعيًا. وفيما يخص المجتهد، يتباين حكم الاجتهاد حسب الظروف التي يواجهها، ولتوضيح ذلك يمكن الإشارة إلى ما يلي:
- يُعد الاجتهاد فرض عين على المجتهد في حال كان قادرًا على الاجتهاد في القضية المطروحة وتوصل إلى حكمٍ فيها، فيكون الحكم الذي توصّل إليه مُلزِمًا له. كما يجب على المجتهد اتخاذ الاجتهاد كفرض عين إذا واجه خطر ضياع الأمر أو القضية، ولم يوجد مجتهد آخر.
- يصبح الاجتهاد فرض كفاية إذا وُجد غيره من المجتهدين القادرين على إصدار إجابات.
- الاجتهاد يكون مستحبًا في القضايا المستقبلية التي لم تحدث بعد.
شروط الاجتهاد
يتطلب الوصول إلى مستوى يؤهل الفرد للاجتهاد توافر مجموعة من الشروط:
- المعرفة بالقرآن الكريم وعلومه، مثل الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، إضافة إلى معرفة السنة النبوية واللغة العربية.
- الاطلاع على مواطن الإجماع، لتجنب الاجتهاد في مسائل سبق أن اتفق عليها العلماء.
- فهم قاعدة القياس بآليتها وشروطها.
- أن يتمتع الشخص بالذكاء والفطنة، وأن يكون سريع البديهة ولديه قدرة فقهيّة.
أهمية الاجتهاد
يمتلك الاجتهاد أهمية كبيرة في التشريع الإسلامي، ونستعرض أبرز مظاهر هذه الأهمية:
- الاجتهاد يعتبر وسيلة رئيسية لاستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية المتاحة.
- من خلال الاجتهاد، يمكن الوصول إلى حلول للمسائل المستجدة في الحياة اليومية للأفراد.
- يساهم تحليل الاجتهاد في التكيف مع التغيرات التي تطرأ على حياة الأفراد في مختلف الأزمنة، مما يؤكد قدرة الشريعة على مواكبة كل عصر ومكان.
- إن تجاهل الاجتهاد وعدم تطبيقه يؤديان إلى تعطيل العديد من مجالات الحياة، مما يُسهم في تراجع تطور المجتمع المسلم، حيث أن الاجتهاد يحفز الحركة العلمية في المجتمع.